قوله تعالى:{وَنُفِخَ في الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} .
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة النفخة الأخيرة ،والصُّور قرن من نور ينفخ فيه الملك نفخة البعث ،وهي النفخة الأخيرة ،وإذا نفخها قام جميع أهل القبور من قبورهم ،أحياء إلى الحساب والجزاء .
وقوله:{فَإِذَا هُم مّنَ الأجْدَاثِ} ،جمع جدث بفتحتين ،وهو القبر ،وقوله:{يَنسِلُونَ} ،أي: يسرعون في المشي من القبور إلى المحشر ؛كما قال تعالى:{يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [ المعارج: 43] ،وقال تعالى:{يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً} [ ق: 44] الآية ،وكقوله تعالى:{يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ * مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} [ القمر: 7-8] الآية ،وقوله:{مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} ،أي: مسرعين مادّي أعناقهم على أشهر التفسيرين ،ومن إطلاق نسل بمعنى أسرع .
قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} [ الأنبياء:96] ،وقول لبيد:
عسلان الذئب أمسى قاربًا ***برد الليل عليه فنسل
وما تضمّنته هذه الآية الكريمة ،من أن أهل القبور يقومون أحياء عند النفخة الثانية ،جاء موضحًا في آيات كثيرة من كتاب اللَّه تعالى كقوله تعالى:{وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّمَاوَاتِ وَمَن في الأرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ}[ الزمر: 68] ،وقوله تعالى:{إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ * لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [ يس: 53] ،وهذه الصيحة هي النفخة الثانية ؛كقوله تعالى:{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بالْحَقّ ذالِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ ق: 42] ،أي: الخروج من القبور .وقوله تعالى:{فَإِنَّمَا هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [ النازعات: 13-14] ،والزجرة: هي النفخة الثانية .والساهرة: وجه الأرض والفلاة الواسعة ،ومنه قول أبي كبير الهذلي:
يرتدن ساهرة كأن جميمها*** وعميمها أسداف ليل مظلم
وقول الأشعث بن قيس:
وساهرة يضحي السراب مجلّلا ***لأقطارها قد حببتها متلثّما
وكقوله تعالى:{فَإِنَّمَا هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} ،وقوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الأرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} [ الروم: 25] ،وهذه الدعوة بالنفخة الثانية .وقوله تعالى:{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} [ الإسراء: 52] الآية ،إلى غير ذلك من الآيات .