قوله تعالى:{احْشُرُواْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} .
المراد ب:{الَّذِينَ ظَلَمُواْ} الكفار ،كما يدلّ عليه قوله بعده:{وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ} .
وقد قدّمنا إطلاق الظلم على الشرك في آيات متعدّدة ؛كقوله تعالى:{إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [ لقمان: 13] ،وقوله تعالى:{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [ البقرة: 254] ،وقوله تعالى:{وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظَّالِمِينَ} [ يونس: 106] .
وقد ثبت في صحيح البخاري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه فسّر الظلم بالشرك ،في قوله تعالى:{وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [ الأنعام: 82] ،وقوله تعالى:{وَأَزْواجُهُمْ} ،جمهور أهل العلم منهم: عمر وابن عباس ،على أن المراد به أشباههم ونظراؤهم ،فعابد الوثن مع عابد الوثن ،والسارق مع السارق ،والزاني مع الزاني ،واليهودي مع اليهودي ،والنصراني مع النصراني ،وهكذا وإطلاق الأزواج على الأصناف مشهور في القرآن ،وفي كلام العرب ؛كقوله تعالى:{وَالَّذِي خَلَقَ الأزْواجَ كُلَّهَا} [ الزخرف: 12] الآية ،وقوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَق الأزْواجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} [ يس: 36] ،وقوله تعالى:{فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّن نَّبَاتٍ شَتَّى} [ طه: 53] الآية ،وقوله تعالى:{وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْواجاً مّنْهُمْ} [ الحجر: 88] ،إلى غير ذلك من الآيات .
فقوله تعالى:{احْشُرُواْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْواجَهُمْ} ،أي: اجمعوا الظالمين وأشباههم ونظراءهم ،فاهدوهم إلى النار ليدخلها جميعهم ،وبذلك تعلم أن قول من قال: المراد ب{أَزْواجِهِمْ} نساؤهم اللاتي على دينهم ،خلاف الصواب .وقوله تعالى:{وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ} ،أي: احشروا مع الكفار الشركاء التي كانوا يعبدونها من دون اللَّه ليدخل العابدون والمعبودات جميعًا النار ؛كما أوضح ذلك بقوله تعالى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [ الأنبياء: 98-99] .وقد بيَّن تعالى أن الذين عبدوا من دون اللَّه من الأنبياء ،والملائكة ،والصالحين ؛كعيسى وعزير خارجون عن هذا ،وذلك في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} ،إلى قوله:{هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [ الأنبياء: 101-103] ،وأشار إلى ذلك في قوله تعالى:{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُواْ أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [ الزخرف: 97-59] الآية .
وقوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [ الإسراء: 57] الآية .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{فَاهْدُوهُمْ} ،من الهدى العام ،أي: دلّوهم وأرشدوهم{إِلَى صِراطِ الْجَحِيمِ} ،أي: طريق النار ليسلكوها إليها ،والضمير في قوله تعالى:{فَاهْدُوهُمْ} ،راجع إلى الثلاثة ،أعني:{الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْواجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ} .
وقد دلَّت هذه الآية أن الهدى يستعمل في الإرشاد والدلالة على الشرّ ،ونظير ذلك في القرآن قوله:{كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [ الحج: 4] ،ولذلك كان للشرّ أئمّة يؤتمّ بهم فيه ؛كقوله تعالى:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [ القصص: 41] الآية .