قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبيه وَقَوْمِهِ إنني بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُون َإِلاَّ الذي فطرني فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال لأبيه وقومه: إنه براء أي بريء ،من جميع معبوداتهم التي يعبدونها ،من دون الله أي يعني أنه بريء من عبادة كل معبود ،إلا المعبود الذي خلقه وأوجده فهو وحده معبوده .
وقد أوضح تعالى هذا المعنى الذي ذكره عن إبراهيم في مواضع أخر من كتابه كقوله تعالى:{قَالَ أَفَرَءَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمُ الاٌّقْدَمُون َفَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِين الذي خلقني فَهُوَ يَهْدِينِ 4} [ الشعراء: 75 -78] .وكقوله تعالى:{فَلَماَّ رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هذا رَبِّى هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يا قَوْمِ إني بريء مِّمَّا تُشْرِكُونَ إني وَجَّهْتُ وجهي للذي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ والأرض حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [ الأنعام: 78 -79] .
وزاد جل وعلا في سورة الممتحنة براءته أيضاً من العابدين وعداوته لهم وبغضه لهم في الله ،وذلك في قوله تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [ الممتحنة: 4]
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} ذكر نحوه في قوله:{الذي خلقني فَهُوَ يَهْدِينِ} [ الشعراء: 78] وقوله تعالى:{وَقَالَ إني ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ} [ الصافات: 99] وقوله تعالى:{فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يهدني رَبِّى لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّآلِّينَ} [ الأنعام: 77] .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة{إنني بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ}{إِلاَّ الذي فطرني} أي خلقني .يدل على أنه لا يستحق العبادة ،إلا الخالق وحده جل وعلا .
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ،دلت عليه آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [ البقرة: 21] الآية ،وقوله تعالى:{وَاتَّقُواْ الذي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأولين} [ الشعراء: 184] وقوله تعالى:{أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شيء وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [ الرعد: 16] وقوله تعالى:{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} [ النحل: 17] الآية ،وقوله تعالى:{أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [ الأعراف: 191] وقوله تعالى:{الذي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والأرض وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ في المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شيء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءْالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [ الفرقان: 2 -3] الآية إلى غير ذلك من الآيات .