التّفسير
التوحيد كلمة الأنبياء الخالدة:
أشارت هذه الآيات إشارة موجزة إلى قصّة إبراهيم ،وما جرى له مع قوم بابل عبدة الأوثان ،لتكمل بذلك بحث ذم التقليد ،الذي ورد في الآيات السابقة ،وذلك لأنّه:
أوّلاً: إنّ إبراهيم( عليه السلام ) كان الجد الأكبر للعرب ،وكانوا يعدونه محترماً ويقدّسونه ،ويفتخرون بتأريخه ،فإذا كان اعتقادهم وقولهم هذا حقّاً فيجب عليهم أن يتبعوه عندما مزّق حجب التقليد .وإذا كان سبيلهم تقليد الآباء ،فلماذا يقلّدون عبدة الأوثان ولا يتّبعون إبراهيم( عليه السلام ) .
ثانياً: إنّ عبدة الأصنام استندوا إلى هذا الاستدلال الواهيوهو اتباع الآباءفلم يقبله إبراهيم منهم أبداً ،كما يقول القرآن الكريم في سورة الأنبياء 53 ،54: ( قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ) .
ثالثاً: إنّ هذه الآية نوع من التطييب لخاطر الرّسول الأعظم( صلى الله عليه وآله وسلم )والمسلمين الأوائل ليعلموا أنّ مثل هذه المخالفات والتوسّلات بالمعاذير والحجج الواهية كانت موجودة دائماً ،فلا ينبغي أن يضعفوا أو ييأسوا .
تقول الآية الأولى: ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء ممّا تعبدون ){[4194]} ،ولما كان كثير من عبدة الأصنام يعبدون الله أيضاً ،فقد استثناه إبراهيم مباشرة فقال: ( إلاّ الذي فطرني فإنّه سيهدين ) .
إنّه( عليه السلام ) يذكر في هذه العبارة الوجيزة دليلاً على انحصار العبوديّة بالله تعالى ،لأنّ المعبود هو الخالق والمدبر ،وكان الجميع مقتنعين بأنّ الخالق هو الله سبحانه ،وكذلك أشار( عليه السلام ) في هذه العبارة إلى مسألة هداية الله التكوينيّة والتشريعيّة التي يوجبها قانون اللطف{[4195]} .
وقد ورد هذا المعنى في سورة الشعراء ،الآيات 7782 أيضاً .