وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة{يَسْمَعُ ءَايَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} يدل على أن من يسمع القرآن يتلى ثم يصر على الكفر والمعاصي في حالة كونه متكبراً عن الانقياد إلى الحق الذي تضمنته آيات القرآن كأنه لم يسمع آيات الله ،له البشارة يوم القيامة بالعذاب الأليم وهو الخلود في النار ،وما تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى في لقمان:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ} [ لقمان: 7] وقوله تعالى في الحج:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذالِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [ الحج: 72] وقوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَآءَهُمْ} [ محمد: 16] ،فقوله تعالى عنهم: ماذا قال آنفاً .يدل على أنهم ما كانوا يبالون بما يتلو عليهم النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات والهدى .
وقد ذكرنا كثيراً من الآيات المتعلقة بهذا المبحث في سورة فصلت في الكلام على قوله تعالى:{فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى ءَاذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [ فصلت: 4 -5] الآية .
وقوله تعالى في هذه الآية .{كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} خففت فيه لفظة كأن ،ومعلوم أن كأن إذا خففت كان اسمها مقدراً وهو ضمير الشأن ،والجملة خبرها كما قال في الخلاصة:
وخففت كأن أيضاً فنوى *** منصوبها وثابتاً أيضاً روى
وقد قدمنا في أول سورة الكهف: أن البشارة تطلق غالباً على الإخبار بما يسر ،وأنها ربما أطلقت في القرآن وفي كلام العرب على الإخبار بما يسوء أيضاً .
/خ8