قوله تعالى:{يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ} .
في هذا الآية الكريمة إجمال ،لأن المشار إليه بقوله{هذا} ،ومفسر الضمير في قوله:{فَخُذُوهُ} ،وقوله:{لَّمْ تُؤْتَوْهُ} لم يصرح به في الآية ولكن الله أشار له هنا ،وذكره في موضع آخر .
واعلم أولاً أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية الذين زنيا بعد الإحصان ،وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة ،فتعمدوا تحريف كتاب الله ،واصطلحوا فيما بينهم على أن الزاني المحصَن الذي يعلمون أن حده في كتاب الله «التوراة » الرجم أنهم يجلدونه ويفضحونه بتسويد الوجه والإركاب على حمار ،فلما زنى المذكوران قالوا فيما بينهم تعالوا نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم في شأن حدهما ،فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه ذلك واجعلوه حجة بينكم وبين الله تعالى ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم فيهما بذلك ،وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه ،فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد بقوله{هذا} وقوله:{فَخُذُوهُ} ،وقوله:{وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ} هو الحكم المحرف الذي هو الجلد والتحميم كما بينا ،وأشار إلى ذلك هنا بقوله:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ} يعني المحرف والمبدل الذي هو الجلد والتحميم{فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ} بأن حكم بالحق الذي هو الرجم{فَاحْذَرُواْ} أن تقبلوه .
وذكر تعالى هذا أيضاً في قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ} [ آل عمران: 23] ،يعني التوراة ليحكم بينهم يعني في شأن الزانيين المذكورين{ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} [ آل عمران: 23] أي عما في التوراة من حكم رجم الزاني المحصن ،وقوله هنا:{وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ} [ 41] ،والعلم عند الله تعالى .