وقوله هنا:{لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} أي لو نشاء جعله أجاجاً لفعلنا ،ولكن جعلناه عذباً فراتاً سائغاً شرابه ،وقد قدمنا في سورة الفرقان أن الماء الأجاج هو الجامع بين الملوحة والمرارة الشديدتين .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كونه تعالى .لو شاء لجعل الماء غير صالح للشراب ،جاء معناه في آيات أخر كقوله تعالى{قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ} [ الملك: 30] وقوله تعالى{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ في الأرض وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [ المؤمنون: 18] لأن الذهاب بالماء وجعله غوراً لم يصل إليه وجعله أجاجاً ،كل ذلك في المعنى سواء بجامع عدم تأتي شرب الماء ،وهذه الآيات المذكورة تدل على شدة حاجة الخلق إلى خالقهم كما ترى .
/خ70
تنبيه لغوي
اعلم أن مادة الشكر تتعدى إلى النعمة تارة ،وإلى المنعم أخرى ،فإن عديت إلى النعمة تعدت إليها بنفسها دون حرف الجر كقوله تعالى{رَبِّ أوزعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَىَّ} [ النحل: 19] الآية ،وإن عديت إلى المنعم تعدت إليه بحرف الجر الذي هو اللام كقولك: نحمد الله ونشكر له ،ولم تأت في القرآن معداة إلا باللام ،كقوله{وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} وقوله{أَنِ اشْكُرْ لي وَلِوَالِدَيْكَ} [ لقمان: 14] وقوله{وَاشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [ البقرة: 172] وقوله{فَابْتَغُواْ عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [ العنكبوت: 17] إلى غير ذلك من الآيات .
وهذه هي اللغة الفصحى ،وتعديتها للمفعول بدون اللام لغة لا لحن ،ومن ذلك قول أبي نخيلة:
شكرتك إن الشكر حبل من اتقى *** وما كل من أوليته نعمة يقضى
وقول جميل بن معمر:
خليلي عوجا اليوم حتى تسلما *** على عذبة الأنياب طيبة النشر
فإنكما إن عجتما لي ساعة *** شكرتكما حتى أغيب في قبري
وهذه الآيات من سورة الواقعة قد دلت على أن اقتران جواب لو باللام ،وعدم اقترانه بها كلاهما سائغ ،لأنه تعالى قال{لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [ الواقعة: 65] باللام ثم قال{لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} بدونها .