قوله تعالى:{ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ} .
هو يوم القيامة لاسم الإشارة ،وقد أشير إليه بالاسم الخاص بالبعيد} ذلك{بدلاً من هذا ،مع قرب التكلم عليه ،ولكن إما لبعده زمانياً عن زمن التحدث عنه ،وإما لبعد منزلته وعظم شأنه ،كقوله تعالى:{آلم ذَلِكَ الْكِتَابُ} ،وفي هذا عود على بدء في أول السورة ،وهو إذا كانوا يتساءلون مستغربين أو منكرين ليوم القيامة ،فإنهم سيعلمون حقًا ،وها هو اليوم الحق لا لبس فيه ولا شك ليرونه عين اليقين .
قوله تعالى:{فَمَن شاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مآباً} .
المآب: المرجع ،كما تقدم مثله{فَمَن شاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} ،فإذا كان هذا اليوم كائناً حقاً ،والناس فيه إمَّا إلى جهنم ،كانت مرصاداً للطاغين مآبا ،وإمَّا مفازاً حدائق وأعناباً ،فبعد هذا البيان ،فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً ،يؤب به عند ربه مآباً يرضاه لنفسه ،و من شاء هنا نص في التخيير ،ولكن المقام ليس مقام تخيير ،وإنما هو بمثابة قوله تعالى:{فَمَن شاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} الآية .
فهو إلى التهديد أقرب ،كما أن فيه اعتبار مشيئة العبد فيما يسلك ،والله تعالى أعلم .
ويدل على التهديد ما جاء بعده .