وقوله:{وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} بيان لتتمة السند ،حيث قال:{وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ 23 وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ 24} ،فنفى عنه صلى الله عليه وسلم نقص التلقي بنفي آفة الجنون ،فهو في كمال العقل وقوة الإدراك ،ومن قبل أثبت له كمال الخلق{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} .
وأثبت له اللقيا ،فلم يلتبس عليه جبريل بغيره ،وهي أعلى درجات السند ،فاجتمع له صلى الله عليه وسلم الكمال الخلقي .
والكمال الخلقيبضم الخاء وكسرها أي الكمال حساً ومعنى ،ثم نفى عنه التهمة بأن يضمن بشيء مما أرسل به مع نفاسته وعلو منزلته وجليل علومه ،وأنه كلام رب العالمين .
وفي الختام إفهامهم: بأنه ليس بقول شيطان رجيم ،حيث تقدم{إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} .
وأن من يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً{ ،فلم يبق لهم موجب للانصراف عنه ،وألزموا بالأخذ به حيث أصبح من الثابت أنه كلام الله ،جاء به رسول كريم ،وبلغه لصاحبكم صاحب الخلق العظيم ،وليس بقول شيطان رجيم .
فلزمهم الأخذ به ،وإلاَّ فأين تذهبون .أين تسيرون عنه ،بعد أن ثبت لكم سنده ومصدره ؟
ونظير هذا السند في تمجيد القرآن وإثبات إتيانه من الله ،قوله تعالى في أول سورة النجم:{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى 2 وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى 3 إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى 4 عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى 5 ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى 6 وَهُوَ بِالأَفُقِ الأَعْلَى} .
وقوله تعالى:{فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} ،بمثابة من يسد عليهم الطريق إلا له لأنهأي القرآنليس في نزوله من الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي شبهة ولا تهمة ،فليس للعاقل أن يحيد عنه ،وكل ذهاب إلى غيره فطريق مسدود ،وضلال وهلاك .