قوله تعالى:{وما أَدْرَاكَ ما الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ} .
فقيل: ما يثقب الشياطين عند استراق السمع ،كما تقدم في قوله تعالى:{فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً} ،فيكون عاما في كل نجم .
وقيل: خاص ،فقيل: زحل وقيل: المريخ ،وقيل: الثريا ،لأنه إذا أطلق النجم عند العرب ،كان مراداً به الثريا .
وتقدم هذا للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في أول سورة النجم .
وقيل: الثاقب المضيء ،يثقب الظلام بضوئه ،وعليه فهو للجنس عامة ،لأن النجوم كلها مضيئة .
قال القرطبي ،وقال سفيان: كل ما في القرآن وما أدراك{فقد أخبره به ،وكل شيء قال فيه: وما يدريك ،لم يخبره به .
والواقع أنه الغالب ،فقد جاءت:"وما أدراك "ثلاث عشرة مرة ،كلها أخبره بها إلاَّ واحدة ،وهي في الحاقة{وما أَدْرَاكَ ما الْحَاقَّةُ} وما عداها ،فقد أخبره بها ،وهي:{وما أَدْرَاكَ ما سَقَرُ لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ} .
وفي المرسلات{وما أَدْرَاكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ} .
وفي الانفطار:{وما أَدْرَاكَ ما يَوْمُ الدِّين ثُمَّ ما أَدْرَاكَ ما يَوْمُ الدّين} إلى قوله{يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا} .
وفي المطففين:{وما أَدْرَاكَ ما سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} .
وفي البلد:{وما أَدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ 12 فَكُّ رَقَبَةٍ 13} .
وفي القدر:{وما أَدْرَاكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} .
وفي القارعة:{وما أَدْرَاكَ ما الْقَارِعَةُ} .
وأيضاً:{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وما أَدْرَاكَ ما هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} ،وفي هذه السورة{وما أَدْرَاكَ ما الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ} ،فكلها أخبره عنها إلاَّ في الحاقة .
تنبيه
يلاحظ أنها كلها في قصار السور من الحاقة وما بعدها ،أما: ما يدريك ،فقد جاءت ثلاث مرات فقط ،{وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} ،في الأحزاب ،{وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ 17} ،في الشورى ،{وما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} في عبس وتولى ،فلم يخبره فيها صراحة ،إلاَّ أنه في الثالثة قد يكون أخبره لأنه قال{لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} فهو وإن لم يصرَّح هل هو تزكى أم لا ،إلاَّ أن لعل من الله تعالى للتحقيق ،كما هو معلوم .
تنبيه آخر
قال كثير من المفسرين: أقسم الله بالسماء ،وبالنجم الطارق لعظم أمرهما ،وكبر خلقهما كما في قوله:{* فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ 75 وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ،ولأنه أقسم بالنجم إذا هوى .
وفيما تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ترجيح كون مواقع النجوم ،{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}: إنما هو نجوم القرآن وتنزيله منجما وهو به نزول الملك به على النَّبي صلى الله عليه وسلم .