أما قوله تعالى بعد ذلك{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ} ،فإن مجيء هذا الأمر بالفاء في هذا الموطن ،فإنه يشعر بأن النظر الدقيق والفكر الدارس ،مما قد يؤدي بصاحبه إلى الاستدلال على وجود الله وعلى قدرته ،كما نطق مؤمن الجاهلية قس بن ساعدة في خطبته المشهورة: ليل داج ،ونهار ساج ،وسماء ذات أبراج ،ونجوم تزهر ،وبحار تزخر ،وجبال مرساة ،وأرض مدحاة ،وأنهار مجراة .فقد ذكر السماء والجبال والأرض .
وكقول زيد بن عمرو بن نفيل ،مؤمن الجاهلية المعروف:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له الأرض تحمل صخراً ثقالا
دحاها فلما استوت شدها *** سواء وأرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له المزن تحمل عذباً زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة *** أطاعت فصبت عليها سجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له الريح تصرف حالاً فحالا
فكان على هؤلاء العقلاء أن ينظروا بدقة وتأمل ،فيما يحيط بهم عامة .وفي تلك الآيات الكبار خاصة ،فيجدون فيها ما يكفيهم .
كما قيل:
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
فإذا لم يهدهم تفكيرهم ولم تتجه أنظارهم .فذكرهم إنما أنت مذكر .وهذا عام ،أي سواء بالدلالة على القدرة من تلك المصنوعات أو بالتلاوة من آيات الوحي .والعلم عند الله تعالى .