قوله تعالى:{لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ} .
تكلم الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في الجمع بينه وبين قوله تعالى:{فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ 35 وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ} ،وبين الصحيح من معنى الضريع ما هو ،وأنه نبت معروف للعرب ،وهو على الحقيقة لا المجاز .
وقد أورد الفخر الرازي سؤالاً والجواب عليه ،وهو كيف ينبت الضريع في النار ؟فأجاب بالإحالة على تصور كيف يبقى جسم الكفار حياً في النار ،وكذلك الحيات والعقارب في النار .
وهذا وإن كان وجيهًا من حيث منطق القدرة ،ولكن القرآن قد صرح بأن النار فيها شجرة الزقوم ،وأنها فتنة للظالمين في قوله:{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ 62 إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ 63 إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الْجَحِيمِ 64 طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رؤُوسُ الشَّيَاطِينِ 65 فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} ،فأثبت شجرة تخرج في أصل الجحيم ،وأثبت لها لازمها وهو طلعها في تلك الصورة البشعة ،وأثبت لازم اللازم وهو أكلهم منها حتى ملء البطون .
والحق أن هذا السؤال وجوابه قد أثاره المبطلون ،ولكن غاية ما في الأمر سلب خاصية الإحراق في النار عن النبات ،وليس هذا ببعيد على قدرة من خلق النار وجعل لها الخاصية .
وقد وجد نظيره في الدنيا فتلك نار النمروذ ،كانت تحرق الطير في الجو إذا اقترب منها ،وعجزوا عن الدنو إليها ليلقوا فيها إبراهيم ووضعوه في المنجنيق ورموه من بعيد ،ومع ذلك حفظه الله منها بقوله تعالى لها:{كُونِي بَرْداً وَسَلاَمَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} ،فسبحان من بيده ملكوت كل شيء .