قوله تعالى:{ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة 17} .
هذا قيد في اقتحام العقبة ،بتلك الأعمال من عتق أو إطعام ،لأن عمل غير المؤمن لا يجعله يقتحم العقبة يوم القيامة لإحباط عمله ولاستيفائه إياه في الدنيا ،وثم هنا للترتيب الذكري لا الزمني ،لأن الإيمان مشروط وجوده عند العمل .
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان شروط قبول العمل وصحته في سورة الإسراء عند قوله تعالى:{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} ،وكقوله:{وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} ،وقوله:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} ،لأن الإيمان هو العمل الأساسي في حمل العبد على عمل الخير يبتغي به الثواب ،وخاصة الإنفاق في سبيل اللَّه ،لأنه بذل بدون عوض عاجل .
وقد بحث العلماء موضوع عمل الكافر الذي عمله حالة كفره ثم أسلم ،هل ينتفع به بعد إسلامه أم لا ؟
والراجح: أنه ينتفع به ،كما ذكر القرطبي أن حكيم بن حزام بعد ما أسلم قال: يا رسول اللَّه إنا كنَّا نتحنث بأعمال في الجاهلية فهل لنا منها شيء ؟فقال عليه السلام"أسلمت على ما أسلفت من الخير "،وحديث عائشة قالت:"يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم الطعام ويفك العاني ويعتق الرقاب ،ويحمل على إبله لله ،فهل ينفعه ذلك شيئاً ؟قال: لا ،إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ".
ومفهومه أنه لو قالها ،أي لو أسلم فقالها كان ينفعه ،والله تعالى أعلم .
وقوله تعالى:{ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة} .
تتمة لصفاتهم ،والصبر عام على الطاعة وعن المعصية ،والمرحمة زيادة في الرحمة ،والحديث"الراحمون يرحمهم الرحمن ".
وذكر المرحمة هنا يتناسب مع العطف على الرقيق والمسكين واليتيم ،واللَّه تعالى أعلم .