عطف على{ أهلكنا}[ يونس: 13] وحرف ( ثم ) مؤذن ببعد ما بين الزمنين ،أي ثم جعلناكم تخلفونهم في الأرض .وكون حرف ( ثم ) هنا عاطفاً جملة على جملة تقتضي التراخي الرتبي لأن جعلهم خلائف أهم من إهلاك القرون قبلهم لما فيه من المنة عليهم ،ولأنه عوضهم بهم .
والخلائف: جمع خليفة .وتقدم في قوله:{ وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} في سورة[ الأنعام: 165] .والمراد{ بالأرض} بلاد العرب ،فالتعريف فيه للعهد ؛لأن المخاطبين خلفوا عاداً وثموداً وطسماً وجديساً وجُرهماً في منازلهم على الجملة .
والنظر: مستعمل في العلم المحقق ،لأن النظر أقوى طرق المعرفة ،فمعنى{ لننظر} لنتعلم ،أي لنعلم علماً متعلقاً بأعمالكم .فالمراد بالعلم تعلقه التنجيزي .
و{ كيف} اسم استفهام معلق لفعل العلم عن العمل ،وهو منصوب ب{ ننظر} ،والمعنى في مثله: لنعلم جواب كيف تعملون ،قال إياس بن قبيصة:
وأقبلت والخطى يخطر بيننا *** لا علم مَن جبانها من شجاعها
أي ( لا علم ) جَواب مَن ( جبانها ) .
وإنما جعل استخلافهم في الأرض علة لعلم الله بأعمالهم كناية عن ظهور أعمالهم في الواقع إن كانت مما يرضي الله أو ممَّا لا يرضيه فإذا ظهرت أعمالهم علمها الله علم الأشياء النافعة وإن كان يعلم أن ذلك سيقع علماً أزلياً ،كما أن بيت إياس بن قبيصة معناه ليَظهر الجبانُ من الشجاع .وليس المقصود بتعليل الإقْدام حصول علمه بالجبان والشجاع ولكنه كنّى بذلك عن ظهور الجبان والشجاع .وقد تقدم نظير هذا في قوله تعالى:{ وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء} في سورة[ آل عمران: 140] .