قال يوسف عليه السّلام للذي ظن نجاته من الفتيين وهو الساقي .والظن هنا مستعمل في القريب من القطع لأنه لا يشك في صحة تعبيره الرؤيا .وأراد بذكره ذكر قضيته ومظلمته ،أي اذكرني لربك ،أي سيدك .وأراد بربه ملك مصر .
وضميرا{ فأنساه} و{ ربه} يحتملان العود إلى{ الذي} ،أي أنسى الشيطان الذي نجا أن يَذكره لربه ،فالذكر الثاني هو الذكر الأول .ويحتمل أن يعود الضميران إلى ما عاد إليه ضمير{ وقال} أي يوسف عليه السّلام أنساه الشيطان ذكر الله ،فالذكر الثاني غير الذكر الأول .ولعل كلا الاحتمالين مراد ،وهو من بديع الإيجاز .وذلك أن نسيان يوسف عليه السّلام أن يَسأل الله إلهام الملِك تذكر شأنه كان من إلقاء الشيطان في أمنيته ،وكان ذلك سبباً إلهياً في نسيان الساقي تذكير الملك ،وكان ذلك عتاباً إلهياً ليوسف عليه السّلام على اشتغاله بعَون العباد دون استعانة ربه على خلاصه .
ولعل في إيراد هذا الكلام على هذا التوْجيه تلطفاً في الخبر عن يوسف عليه السّلام ،لأن الكلام الموجه في المعاني الموجهة ألطف من الصريح .
والبضع: من الثلاث إلى التسع .
وفيما حكاه القرآن عن حال سجنهم ما يُنبىء على أن السجن لم يكن مضبوطاً بسجل يذكر فيه أسماء المساجين ،وأسبابُ سجنهم ،والمدةُ المسجون إليها ،ولا كان من وزعة السجون ولا ممن فوقهم من يتعهّد أسباب السجن ويفتقد أمر المساجين ويرفع إلى الملك في يوم من الأسبوع أو من العام .وهذا من الإهمال والتهاون بحقوق الناس وقد أبطله الإسلام ،فإن من الشريعة أن ينظر القاضي أول ما ينظر فيه كلّ يوم أمرَ المساجين .