{بِضْعَ سِنِينَ}: البضع: القطعة من الدهر .
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا} وهو من قال له إنه سيكون ساقياً للعزيز ،مما يجعله قريباً منه ،أثيراً لديه ،مسموع الكلمة عنده ،{اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ} في ساعات نشوته وسروره ،وحدّثه عن مشكلتي في السجن الذي دخلته بلا ذنب ،واطلب إليه أن يخرجني منه ،{فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} في غمرة مشاغل وضعه الجديد ،لعدم اهتمامه الكافي بوضعية يوسف ،كون علاقته به لم تتعد المستوى السطحي للعلاقات الطارئة التي لا يبقى منها بعد انفصال طرفيها سوى الذكريات .
مزاج الطاغية هو القانون
وهكذا استمر يوسف في السجن ،بسبب حكم الطغاة الذين لا يحترمون الإنسان ،ولا يشعرون بأية مسؤولية تجاهه ،لا سيما إذا كان من طبقة العبيد ،الذين لا يمثلون في قانون المجتمع أية قيمة تدفع إلى الاحترام ،أو تدعو إلى الاهتمام .لذلك فإن قضاياهم تتعلق بمزاج الطاغية وإرادته ،فإذا اقتضى مزاجه إطلاق حرية العبد ،كان ذلك هو القانون الذي ينفّذ ،وإذا نسي الموضوع كله ،أو كان مزاجه أن يبقى السجين في سجنه دون محاكمة ،فهذا هو خط «العدالة » الطاغوتية الذي لا يخضع لقاعدة إنسانية أو سماوية ،{فَلَبِثَ فِى السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} لا نملك تحديدها ،ولكنهاكما قيلتتراوح بين الثلاثة والعشرة ،وربما أكثر حددها البعض بكونها اثنتا عشر سنة .
لا مشكلة في طلب الحاجة من العبد
وقد يثير البعض ،على ما طلبه يوسف من صاحبه الذي نجا ،سؤالاً مثيراً ،وهو كيف يطلب حاجته من العبد ،بينما يفرض الإيمان على المؤمن ألاّ يطلب شيئاً من غير الله ؟وربما جاء في بعض الروايات ،أن الله عاقب يوسف على ذلك ،فأنسى الرجل ذكر أمره للعزيز ،والجواب: إننا لا نرى في ذلك أيَّ مساسٍ بالإيمان ،فضلاً عن أن يكون ذلك خطيئةً يستحق عليها العقوبة ،لأن من حق المؤمن أن يستخدم للوصول إلى أغراضه الحياتية الأشخاص الذين يملكون خدمته ،وذلك من خلال التوسّل إلى الله في إنفاذ كل أموره ،وهداية الآخرين إلى العطف عليه والسعي في حوائجه ،مما لا يجعل في الموضوع أية مشكلةٍ له من قريبٍ أو من بعيدٍ .