{ وقال الذين ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك} أي عند الملك ، وسماه ربا مع أن يوسف نبي التوحيد ، من قبيل رب الأسرة بمعنى راعيها ، وحافظها ، فنسي أن يذكر ذلك فمكث نبي الله بعد ذلك بضع سنين ،وهذا قوله تعالى:{ فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين} .
وهنا ملاحظتان تتعلقان بالمنهج البياني القرآني
الأولى:قول يوسف{ للذي ظن أنه ناج منهما} ، فعبر بالظن ولم يعبر بالعلم ، تأدبا مع الله في العلم بالغيب ، فإنه وإن كان يقينا عند يوسف ، ولكن طريقه لا ينتج إلا ظنا .
الثانية:في كلمة{ فانساه الشيطان ذكر ربه} ، المعنى ذكره عند ربه ، والإضافة لأدنى ملابسة ، وقد مكث بعد ذلك بضع سنين ، كان فيها داعية للتوحيد ، وقد أنس به الذين كانوا يدخلون السجن ، فدعاهم إلى التوحيد ، وكانوا يدخلون متهمين من الملك أو غيره ، ويخرجون مؤمنين مدركين ، وكان بعضهم لأنسه بيوسف الصديق يرغب في أن يعود سجينا .
وكان يدعو- كما رأينا في دعوته – صاحبي السجن أولا ، وفي هذا إشارة إلى استمرار دعوته إلى التوحيد .
والسجناء في مصر كانوا في أغلب الأحوال أبرياء وضعفاء ، وأول من يستجيب للنبيين الضعفاء كما رأينا من بعد في أتباع محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، وكما رأينا من قبل في أتباع نوح عليه السلام ، كما قال عن قوم نوح:{. . . .وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي . . . .27}( هود ) .
الخلاص
قال تعالى: