حقيقة السعي المشي دون العَدْوِ ،فسعي الآخرة هو الأعمال الصالحة لأنها سبب الحصول على نعيم الآخرة ،فالعامل للصالحات كأنه يسير سيراً سريعاً إلى الآخرة ليصل إلى مرغوبه منها .وإضافته إلى ضمير الآخرة من إضافة المصدر إلى مفعوله في المعنى ،أي السعي لها ،وهو مفعول مطلق لبيان النوع .
وفي الآية تنبيه على أن إرادة خير الآخرة من غير سعي غرور وأن إرادة كل شيء لا بد لنجاحِها من السعي في أسباب حصوله .قال عبد الله بن المبارك:
تَرجو النجاة ولم تَسلُك مسالكها *** إن السفينة لا تجري على اليَبَس
وجملة{ وهو مؤمن} حال من ضمير{ وسعى} .وجيء بجملة{ وهو مؤمن} اسمية لدلالتها على الثبات والدوام ،أي وقد كان راسخ الإيمان ،وهو في معنى قوله:{ ثم كان من الذين آمنوا}[ البلد: 17] لما في ( كان ) من الدلالة على كون الإيمان ملكة له .
والإتيان باسم الإشارة في{ فأولئك كان سعيهم مشكوراً} للتنبيه على أن المشار إليهم جديرون بما سيخبر به عنهم لأجل ما وُصفوا به قبل ذِكر اسم الإشارة .
والسعي المشكور هو المشكور ساعيه ،فوصفه به مجاز عقلي ،إذ المشكور المرضي عنه ،وإذ المقصود الإخبار عن جزاء عمل من أراد الآخرة وسعى لها سعيها لا عن حسن عمله لأنه قسيم لجزاء من أراد العاجلة وأعرض عن الآخرة ،ولكن جعل الوصف للعمل لأنه أبلغ في الإخبار عن عامله بأنه مرضي عنه لأنه في معنى الكناية الراجعة إلى إثبات الشيء بواسطة إثبات ملزومه .
والتعبير ب{ كان} في{ كان سعيهم مشكوراً} للدلالة على أن الوصف تحقق فيه من قبل ،أي من الدنيا لأن الطاعة تقتضي ترتب الشكر عاجلاً والثواب آجلاً .وقد جمع كونه مشكوراً خيرات كثيرة يطول تفصيلها لو أريد تفصيله .