أي فعقِب تلك المحاورة أنهما انطلقا .والانطلاق: الذهاب والمشي ،مشتق من الإطلاق وهو ضد التقييد ،لأن الدابة إذا حُلّ عقالها مشت .فأصله مطاوع أطلقه .
و ( حتى ) غاية للانطلاق .أي إلى أن ركبا في السفينة .
و ( حتى ) ابتدائية ،وفي الكلام إيجاز دل عليه قوله:{ إذا ركبا في السفينة} .أصل الكلام: حتى استأجرا سفينة فركباها فلما ركبا في السفينة خرقها .
وتعريف{ السفينة} تعريف العهد الذهني ،مثل التعريف في قوله تعالى:{ وأخاف أن يأكله الذئب}[ يوسف: 13] .
وإذا} ظرف للزمان الماضي هنا ،وليست متضمنة معنى الشرط .وهذا التوقيت يؤذن بأخذه في خرق السفينة حين ركوبهما .وفي ذلك ما يشير إلى أن الركوب فيها كان لأجل خرقها لأن الشيء المقصود يبادِر به قاصده لأنه يكون قد دبره وارتآه من قبل .
وبني نظم الكلام على تقديم الظرف على عامله للدلالة على أن الخرق وقع بمجرد الركوب في السفينة ،لأن في تقديم الظرف اهتماماً به ،فيدل على أن وقت الركوب مقصود لإيقاع الفعل فيه .
وضمن الركوب معنى الدخول لأنه ركوب مجازي ،فلذلك عدي بحرف ( في ) الظرفية نظير قوله تعالى:{ وقال اركبوا فيها}[ هود: 41] دون نحو قوله:{ والخيل والبغال والحمير لتركبوها}[ النحل: 8] .وقد تقدم ذلك في سورة هود .
والخرق: الثقب والشق ،وهو ضد الالتئام .
والاستفهام في{ أخرقتها} للإنكار .ومحل الإنكار هو العلة بقوله:{ لتغرق أهلها} ،لأن العلة ملازمة للفعل المستفهم عنه .ولذلك توجه أن يغير موسى عليه السلام هذا المنكَر في ظاهر الأمر ،وتأكيد إنكاره بقوله:{ لقد جئت شيئاً إمراً} .
والإمر بكسر الهمزة: هو العظيم المفظع .يقال: أَمِر كفرح إِمراً ،إذا كثر في نوعه .ولذلك فسره الراغب بالمنكر ،لأن المقام دال على شيء ضارّ .ومقام الأنبياء في تغيير المنكر مقام شدة وصراحة .ولم يجعله نكراً كما في الآية بعدها لأن العلم الذي عمله الخضر ذريعة للغرق ولم يقع الغرق بالفعل .
وقرأ الجمهور{ لتغرق} بمثناة فوقية مضمومة على الخطاب .وقرأه حمزة ،والكسائي ،وخلف{ ليَغرق} بتحتية مفتوحة ورفع{ أهلها} على إسناد فعل الغرق للأهل .