قوله:{ إذْ قال له ربه أَسلم} ،إذ هو ظرف لاصطفيناه وما عطف عليه ،قصد من هذه الظرفية التخلُّص إلى منقبة أخرى ،لأن ذلك الوقت هو دليل اصطفائه حيث خاطبه الله بوحي وأمره بما تضمنه قوله{ أسْلِم} من معانٍ جماعها التوحيدُ والبراءةُ من الحول والقوة وإخلاصُ الطاعة ،وهو أيضاً وقتُ ظهور أن الله أراد إصلاح حاله في الآخرة إذ كلٌّ مُيسَّر لما خلق له .
وقد فهم أن مفعول{ أسلم} ومتعلقه محذوفان يعلمان من المقام أي أسلم نفسك لي كما دل عليه الجواب بقوله:{ أسلمت لرب العالمين} وشاع الاستغناء عن مفعول أَسْلَمَ فنُزل الفعل منزلة اللازم يقال أَسلم أي دَان بالإسلام كما أنبأ به قوله تعالى:{ ولكن كان حنيفاً مُسلماً}[ آل عمران: 67] .
وقوله:{ قال أسلمت} فصلت الجملة على طريقة حكاية المحاورات كما قدمناه في{ وإذْ قال ربك للملائكة إِني جاعل في الأرض خليفة}[ البقرة: 30] .
وقوله:{ قال أسلمت} مشعر بأنه بادر بالفور دون تريث كما اقتضاه وقوعه جواباً ،قال ابن عرفة: إنما قال لرب العالمين دون أن يقول أسلمت لك ليكون قد أتى بالإسلام وبدليله اهـ .يعني أن إبراهيم كان قد علم أن لهذا العالم خالقاً عالماً حصل له بإلهام من الله فلما أوحى الله إليه بالإيمان صادف ذلك عقلاً رشداً .