وإن عده من الصالحين يوم القيامة ، إنما كان لأنه أخلص وأسلم وجهه لله رب العالمين مستجيبا طلب الله تعالى منه ، إذ طلب ربه منه أن يكون كله له وحده ، ولذا قال تعالى:{ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين} الإسلام هنا هو الإخلاص والإذعان لله تعالى ، وهو كالإسلام في قوله تعالى:{ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن . . . 112} [ البقرة] فهو غاية الإيمان وأقصاه ، وقد ذكرنا أن الإيمان تصديق وإذعان وتسليم ، والإسلام تخليص القلب والنفس والجوارح لله تعالى ، فهو أعلى درجات الإيمان .
وهو ليس الإسلام الذي هو نقيض الإيمان أو يغايره ، وهو الإذعان المادي ، والخضوع لأحكام الإسلام سواء أكانت مع القلب ، أم لم تكن ، وهو الذي قال فيه للأعراب إذ قالوا:{ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم . . . 14} [ الحجرات] .
وهذا هو الإسلام الذي يفرق علماء الكلام بينه وبين الإيمان ، وليس موضوعه ، وإنما هنا الإسلام بمعنى إسلام الوجه والجوارح لله تعالى ، وهو الذي قال الله تعالى فيه:{ إن الدين عند الله الإسلام . . . 19} [ آل عمران] .
وقد يقال إن إبراهيم أثبت إخلاصه لله تعالى ودعا الله تعالى أن يجعله وابنه إسماعيل مسلمين ، فقال في ذلك:{ واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك . . . 128} [ البقرة] فلم كان الأمر بذلك ، وقد طلباه ؟
فقالوا في الإجابة عنه أنه أمر بالاستدامة على الإسلام وتثبيت التوحيد ، ونقول في ذلك أيضا إن الآية لبيان مقام إبراهيم عليه السلام في الاستجابة لأمر ربه ، وخلوص نفسه إذ أمره بذلك فاستجاب فورا قائلا أسلمت لرب العالمين ، فهذا النص لبيان مدى استجابة خليل الله تعالى لربه غير متردد ، ولا متلكئ ، ولكن صار إبراهيم يقول:أسلمت أي خلصت نفسي وجعلتها لرب العالمين ، أي لخالق العالمين والقائم عليهم وربهم وكالئهم ، وإن ذلك شكر له ، فهو في ذلك شاكر لأنعم الله تعالى كحاله دائما .