إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى:{ إذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ} يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ:{ إذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ} إذْ قَالَ لَهُ رَبّه:أَخْلِصْ لِي الْعِبَادَة , وَاخْضَعْ لِي بِالطَّاعَةِ , وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْإِسْلَام فِي كَلَام الْعَرَب , فَأَغْنَى عَنْ إعَادَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله:{ قَالَ أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره:قَالَ إبْرَاهِيم مُجِيبًا لِرَبِّهِ:خَضَعْت بِالطَّاعَةِ , وَأَخْلَصْت بِالْعِبَادَةِ لِمَالِك جَمِيع الْخَلَائِق وَمُدَبِّرهَا دُون غَيْره . فَإِنْ قَالَ قَائِل:قَدْ عَلِمْت أَنَّ "إذْ "وَقْت فَمَا الَّذِي وَقَّتَ بِهِ , وَمَا الَّذِي صِلَته ؟ قِيلَ:هُوَ صِلَة لِقَوْلِهِ:{ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا} . وَتَأْوِيل الْكَلَام:وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حِين قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ , قَالَ:أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ . فَأَظْهَر اسْم "اللَّه "فِي قَوْله:{ إذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ} عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ غَائِب , وَقَدْ جَرَى ذِكْره قِيلَ عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ نَفْسه , كَمَا قَالَ خِفَاف بْن نُدْبَة:أَقُول لَهُ وَالرُّمْح يَأْمُر مَتْنه تَأَمَّلْ خِفَافًا إنَّنِي أَنَا ذَالِكَا فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل:وَهَلْ دَعَا اللَّه إبْرَاهِيم إلَى الْإِسْلَام ؟ قِيلَ لَهُ:نَعَمْ , قَدْ دَعَاهُ إلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ:وَفِي أَيّ حَال دَعَاهُ إلَيْهِ ؟ قِيلَ:حِين قَالَ:{ يَا قَوْم إنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} 6 78:79 وَذَلِكَ هُوَ الْوَقْت الَّذِي قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ مِنْ بَعْد مَا امْتَحَنَهُ بِالْكَوَاكِبِ وَالْقَمَر وَالشَّمْس .