إذْ} ظرف للحديث .وقد تقدّم نظائره ،وخص هذا الظرف بالذكر لأنه يزيد تشويقاً إلى استعلام كنه الخبر ،لأن رؤية النار تحتمل أحوالاً كثيرة .
ورؤية النار تدلّ على أن ذلك كان بليل ،وأنه كان بحاجة إلى النار ؛ولذلك فرع عليه:{ فَقَالَ لأَهْله امْكُثُوا} ...الخ .
والأهل: الزوج والأولاد .وكانوا معه بقرينة الجمع في قوله{ امكثوا .وفي سفر الخروج من التّوراة فأخذ موسى امرأته وبنيه وأركبهم على الحمير ورجع إلى أرض مصر .
وقرأ الجمهور بكسر هاء ضمير أهلِه على الأصل .وقرأه حمزة وخلف: بضم الهاء ،تبعاً لضمة همزة الوصل في امكثوا .
والإيناس: الإبصار البيّن الذي لا شبهة فيه .
وتأكيد الخبر بإن لقصد الاهتمام به بشارة لأهله إذ كانوا في الظلمة .
والقبَس: ما يؤخذ اشتعاله من اشتعال شيء ويقبس ،كالجَمرة من مجموع الجمر والفتيلة ونحو ذلك .وهذا يقتضي أنه كان في ظلمة ولم يجد ما يقتدح به .وقيل: اقتدح زَنده فَصَلَد ،أي لم يقدح .
ومعنى{ أو أجدُ على النار هدى}: أو ألقَى عارفاً بالطريق قاصداً السير فيما أسير فيه فيهديني إلى السبيل .قيل: كان موسى قد خفي عليه الطريق من شدّة الظلمة وكان يحب أن يسير ليلاً .
و{ أوْ} هنا للتخيير ،لأنّ إتيانه بقبس أمر محقق ،فهو إما أن يأخذ القبس لا غير ،وإما أن يزيد فيجد صاحب النار قاصداً الطريق مثله فيصحبه .
وحرف{ على} في قوله:{ أو أجِدُ على النَّارِ هُدىً} مستعمل في الاستعلاء المجازي ،أي شدّة القرب من النار قرباً أشبه الاستعلاء ،وذلك أنّ مُشعِل النار يستدني منها للاستنارة بضوئها أو للاصطلاء بها .قال الأعشى:
وباتَ على النار النّدى والمحلّقُ *** وأراد بالهدى صاحب الهدى .
وقد أجرى الله على لسان موسى معنى هذه الكلمة إلهاماً إياه أنه سيجد عند تلك النار هُدى عظيماً ،ويبلّغ قومه منه ما فيه نفعهم .
وإظهار النّار لموسى رمْز رباني لطيف ؛إذ جعل اجتلابه لتلقي الوحي باستدعاء بنور في ظلمة رمزاً على أنه سيتلقى ما به إنارة ناس بدين صحيح بعد ظلمة الضلال وسوء الاعتقاد .