جملة{ لكم فيها منافع} حال من الأنعام في قوله:{ وأحلت لكم الأنعام}[ الحج: 30] وما بينهما اعتراضات أو حال من{ شعائر الله}[ الحج: 32] على التفسير الثاني للشعائر .والمقصود بالخبر هنا: هو صنف من الأنعام ،وهو صنف الهدايا بقرينة قوله:{ ثم محلها إلى البيت العتيق} .
وضمير الخطاب موجّه للمؤمنين .
والمنافع: جمع منفعة ،وهي اسم النفع ،وهو حصول ما يلائم ويحفّ .وجعل المنافع فيها يقتضي أنها انتفاع بخصائصها مما يراد من نوعها قبل أن تكون هدياً .
وفي هذا تشريع لإباحة الانتفاع بالهدايا انتفاعاً لا يتلفها ،وهو رد على المشركين إذ كانوا إذا قلّدوا الهدْيَ وأشعَرُوه حظروا الانتفاع به من ركوبه وحمل عليه وشرب لبنه ،وغير ذلك .
وفي « الموطّأ »:"عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال: اركبها ؟فقال: إنها بدنة ،فقال: اركبها ،فقال: إنها بدنة ،فقال: اركبها ،ويلك في الثانية أو الثالثة".والأجل المسمّى هو وقت نحرها ،وهو يوم من أيام مِنى .وهي الأيام المعدودات .
والمَحِلّ: بفتح الميم وكسر الحاء مصدر ميمي من حلّ يحِلّ إذا بلغ المكان واستقرّ فيه .وهو كناية عن نهاية أمرها ،كما يقال: بلغ الغاية ،ونهاية أمرها النحر أو الذبح .
و{ إلى} حرف انتهاء مجازي لأنها لا تنحر في الكعبة ،ولكن التقرب بها بواسطة تعظيم الكعبة لأنّ الهدايا إنما شرعت تكملة لشرع الحجّ ،والحجّ قصد البيت .قال تعالى:{ ولله على الناس حج البيت}[ آل عمران: 97] ،فالهدايا تابعة للكعبة ،قال تعالى:{ هدياً بالغ الكعبة}[ المائدة: 95] وإن كانت الكعبة لا ينحر فيها ،وإنما المناحر: مِنى ،والمروة ،وفجاج مكة أي طرقها بحسب أنواع الهدايا ،وتبيينه في السنة .
وقد جاء في قوله تعالى:{ ثم محلها إلى البيت العتيق} رد العجز على الصدر باعتبار مبدأ هذه الآيات وهو قوله تعالى:{ وإذا بوأنا لإبراهيم مكان البيت}[ الحج: 26] .