التعبير عنهم باسم الإشارة هنا للتنبيه على أنهم أحرياء بما سيذكر بعد اسم الإشارة من أجل الأوصاف التي ذكرت قبل اسم الإشارة مثل ما تقدم في قوله{ أولئك على هدى من ربهم} في سورة[ البقرة: 5] .
عَدَّ الله لهم سبع خصال من خصال أهل الكمال:
إحداها: أخروية ،وهي{ يؤتون أجرهم مرتين} أي أنهم يؤتون أجرين على إيمانهم ،أي يضاعف لهم الثواب لأجل أنهم آمنوا بكتابهم من قبل ثم آمنوا بالقرآن ،فعبر عن مضاعفة الأجر ضعفين بالمرتين تشبيهاً للمضاعفة بتكرير الإيتاء وإنما هو إيتاء واحد .
وفائدة هذا المجاز إظهار العناية حتى كأن المثيب يعطي ثم يكرر عطاءه ففي{ يؤتون أجرهم مرتين} تمثيلة .وفي الصحيح عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيئه وأدركني فآمن بي واتبعني وصدقني فله أجران ،وعبد مملوك أدى حق الله تعالى وحق سيده فله أجران ،ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران» رواه الشعبي وقال لعطاء الخراساني: خذه بغير شيء فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة .
والثانية: الصبر ،والصبر من أعظم خصال البر وأجمعها للمبرات ،وأعونها على الزيادة والمراد بالصبر صبرهم على أذى أهل ملتهم أو صبرهم على أذى قريش ،وهذا يتحقق في مثل الوفد الحبشي .ولعلهم المراد من هذه الآية ولذلك أتبع بقوله{ ويدرؤون بالحسنة السيئة} وقوله{ وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم} .
والخصلة الثالثة: درؤهم السيئة بالحسنة وهي من أعظم خصال الخير وأدعاها إلى حسن المعاشرة قال تعالى{ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}[ فصلت: 34] ،فيحصل بذلك فائدة دفع مضرة المسيء عن النفس ،وإسداء الخير إلى نفس أخرى ،فهم لم يردوا جلافة أبي جهل بمثلها ولكن بالإعراض مع كلمة حسنة وهي{ سلام عليكم} .
وأما الإنفاق فلعلهم كانوا ينفقون على فقراء المسلمين بمكة ،وهو الخصلة الرابعة ولا يخفى مكانها من البر .
والخصلة الخامسة: الإعراض عن اللغو ،وهو الكلام العبث الذي لا فائدة فيه ،وهذا الخلق من مظاهر الحكمة ،إذ لا ينبغي للعاقل أن يشغل سمعه ولُبّه بما لا جدوى له وبالأولى يتنزه عن أن يصدر منه ذلك .
والخصلة السادسة: الكلام الفصل وهو قولهم{ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم} وهذا من أحسن ما يجاب به السفهاء وهو أقرب لإصلاحهم وأسلم من تزايد سفههم .
ولقد أنطقهم الله بحكمة جعلها مستأهلة لأن تُنظم في سلك الإعجاز فألهمهم تلك الكلمات ثم شرّفها بأن حيكت في نسج القرآن ،كما ألهم عمر قوله
{ عسى ربه إن طلقكن}[ التحريم: 5] الآية .