/م51
ثمّ يتحدث القرآن الكريم عن هذه الجماعة التي آمنت بالنّبي من غير تقليد أعمى ،وإنّما طلباً للحق ،فيقول: ( أُولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ) .
فمرّة لإيمانهم بكتابهم السماويّ الذي كانوا صادقين أوفياء لعهدهم معه ...ومرّة أُخرى لإيمانهم بنبيّ الإسلام العظيم( صلى الله عليه وآله ) النّبي الموعود المذكور عندهم في كتبهم السماوية .
ويحتملأيضاًكما هو مستفاد من الآيات المتقدمة ،إنّما يؤتون أجرهم مرتين ؛لأنّهم آمنوا بنبي الإسلام قبل ظهوره ،وحين ظهر لم يكفروا به بل آمنوا به كذلك .
وهؤلاء بذلوا جهداً وصبروا زماناً طويلا ليؤدوا ما عليهم من وظيفة ومسؤولية ...ولم يرض بأعمالهم المنحرفون من اليهود ولا النصارى ،ولم يسمح لهم تقليد السابقين والجوّ الاجتماعي أن يتركوا دينهم ويسلموا ،إلاّ أنّهم وقفوا وصبروا وتجاوزوا هوى النفس والمنافع الذاتية ،فنالوا ثواب الله وأجره مرّتين .
ثمّ يشير القرآن الكريم إلى بعض أعمالهم الصالحة من قبيل «دفع السيئة بالحسنة » و «الإنفاق ممّا رزقهم الله » و «المرور الكريم باللغو والجاهلين » وكذلك الصبر والاستقامة ،وهي خصال أربع ممتازة .
حيث يقول في شأنهم القرآن الكريم: ( ويدرءون بالحسنة السيئة ) .
يدرئون بالكلام الطيب الكلام الخبيث ،وبالمعروف المنكر ،وبالحلم الجهل والجاهلين ،وبالمحبّة العداوة والبغضاء ،وبصلة الرحم من يقطعها ،والخلاصة أنّهم بدلا من أن يدفعوا السيئة بالسيئة فإنّهم ( يدرءون بالحسنة السيئة !) .
وهذا أسلوب مؤثر جدّاً في مواجهة المفاسد ومبارزتها ،ولاسيما في مواجهة اللجوجين والمعاندين .
وقد أكّد القرآن الكريم على هذا الأسلوب مراراً وكراراً ،وقد سبق أن بحثنا في هذا المجال بشرح مبسّط في ذيل الآية ( 22 ) من سورة الرعد وذيل الآية ( 69 ) من «سورة المؤمنون » .
والخصلة الأُخرى في هؤلاء الممدوحين بالقرآن أنّهم ( وممّا رزقناهم ينفقون ) .
وليس الإنفاق من الأموال فحسب ،بل من كل ما رزقهم الله من العلم والقوى الفكرية والجسميّة والوجاهة الاجتماعية ،وجميع هذه الأُمور من مواهب الله ورزقهفهم ينفقون منها في سبيل الله !.
/خ55