لما ذكرهم الله بنعمه عليهم تذكيراً أدمج في خلال الرد على قولهم{ إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا}[ القصص: 57] بقوله{ تجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا}[ القصص: 57] أعقبه بأن كل ما أوتوه من نعمة هو من متاع الحياة الدنيا كالأمن والرزق ،ومن زينتها كاللباس والأنعام والمال ،وأما ما عند الله من نعيم الآخرة من ذلك وأبقى لئلا يحسبوا أن ما هم فيه من الأمن والرزق هو الغاية المطلوبة فلا يتطلبوا ما به تحصيل النعيم العظيم الأبدي ،وتحصيله بالإيمان .ولا يجعلوا ذلك موازناً لاتباع الهدى وإن كان في اتباع الهدى تفويت ما هم فيه من أرضهم وخيراتها لو سلم ذلك .هذا وجه مناسبة هذه الآية لما قبلها .
و{ من شيء} بيان ل{ ما أوتيتم} والمراد من أشياء المنافع كما دل عليه المقام لأن الإيتاء شائع في إعطاء ما ينفع .
وقد التفت الكلام من الغيبة من قوله{ أوَ لم نُمكن لهم حرماً}[ القصص: 57] إلى الخطاب في قوله{ أوتيتم} لأن ما تقدم من الكلام أوجب توجيه التوبيخ مواجهة اليهم .
والمتاع: ما ينتفع به زمناً ثم يزول .
والزينة: ما يحسن الأجسام .
والمراد بكون ما عند الله خيراً ،أن أجناس الآخرة خير مما أوتوه في كمال أجناسها ،وأما كونه أبقى فهو بمعنى الخلود .
وتفرع على هذا الخبر استفهام توبيخي وتقريري على عدم عقل المخاطبين لأنهم لما لم يستدلوا بعقولهم على طريق الخير نزّلوا منزلة من أفسد عقله فسئلوا: أهم كذلك ؟.
وقرأ الجمهور{ تعقلون} بتاء الخطاب .وقرأ أبو عمرو ويعقوب{ يعقلون} بياء الغيبة على الالتفات عن خطابهم لتعجب المؤمنين من حالهم ،وقيل: لأنهم لما كانوا لا يعقلون نزلوا منزلة الغائب لبعدهم عن مقام الخطاب .