جيء باسم الإشارة في قوله:{ أولئك الذين حبطت أعمالهم} لأنّهم تميّزوا بهذه الأفعال التي دلت عليها صِلاتُ الموصول أكملَ تمييز ،وللتنبيه على أنّهم أحِقَّاءِ بما سيخبر به عنهم بعدَ اسم الإشارة .
واسم الإشارة مبتدأ ،وخبره{ الذين حَبِطتْ أعمالهم} ،وقيل هو خبر ( إنّ ) وجملة{ فبشرهم بعذاب أليم} وهو الجاري على مذهب سيبويه لأنّه يمنع دخول الفاء في الخبر مطلقاً .
وحَبَط الأعمالِ إزالةِ آثارها النافعة من ثوابٍ ونعيم في الآخرة ،وحياةٍ طيّبة في الدنيا ،وإطلاق الحَبَط على ذلك تمثيل بحال الإبل التي يصيبها الحَبَط وهو انتفاخ في بطونها من كثرة الأكل ،يكون سبب موتها ،في حين أكلت ما أكلت للالتذاذ به .
وتقدم عند قوله تعالى:{ ومن يرتدد منكم عن دينه فيَمُت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} في ( سورة البقرة 217 ) .
والمعنى هنا أنّ اليهود لما كانوا متديّنين يَرجون من أعمالهم الصالحة النفعَ بها في الآخرة بالنجَاة من العقاب ،والنفع في الدنيا بآثار رضا الله على عباده الصالحين ،فلمّا كفروا بآيات الله ،وجحدوا نبوءة محمد ،وصوّبوا الذين قَتَلوا الأنبياء والذين يأمرون بالقسط ،فقد ارتدُّوا عن دينهم فاستحقّوا العذاب الأليم ،ولذلك ابتُدىء به بقوله:{ فبشرهم بعذاب أليم} .فلا جرم تَحْبَطُ أعمالهم فلا ينتفعون بثوابها في الآخرة ،ولا بآثارها الطيّبة في الدنيا ،ومعنى{ وما لهم من ناصرين} ما لهم من ينقذهم من العذاب الذي أنذروا به .
وجيء بمن الدالة على تنصيص العموم لئلاّ يترك لهم مدخل إلى التأويل .