وضرب المثل: إيجاده ،كما يقال: ضَرب خيمة ،وضَرب ديناراً ،وتقدم بيانه عند قوله تعالى:{ إن اللَّه لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما} في سورة البقرة} ( 26 ) .
والمَثل: تمثيل الحالة ،فالمعنى: وأظهر للناس وأتى لهم بتشبيه حال قدرتنا بحال عجز الناس إذ أحال إحياءنا العظام بعد أن أرَمَّت فهو كقوله تعالى:{ فلا تضربوا للَّه الأمثال}[ النحل: 74] ،أي لا تُشَبِّهوه بخلقه فتجعلوا له شركاء لوقوعه بعد{ ويعبدون من دون اللَّه ما لا يملك لهم رزقاً من السماوات والأرض شيئا}[ النحل: 73] .
والاستفهام في قوله:{ من يحي العظام} إنكاري .و{ من} عامة في كل من يسند إليه الخبر .فالمعنى: لا أحد يحيي العظام وهي رميم .فشمل عمومه إنكارهم أن يكون الله تعالى محيياً للعظام وهي رميم ،أي في حال كونها رميماً .
وجملة{ قال مَن يُحي العِظامَ} بيان لجملة{ ضرب لنا مثلاً} كقوله تعالى:{ فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم}[ طه: 120] الآية ،فجملة{ قال يا آدم بيان لجملة وسوس .
والنسيان في قوله:{ ونَسِيَ خلقه} مستعار لانتفاء العلم من أصله ،أي لعدم الاهتداء إلى كيفية الخلق الأول ،أي نسي أننا خلقناه من نطفة ،أي لم يهتد إلى أن ذلك أعجب من إعادة عظمه كقوله تعالى:{ أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لَبْس من خلق جديد}[ ق: 15] .
وذكر النطفة هنا تمهيد للمفاجأة بكونه خصيماً مبيناً عقب خلقه ،أي ذلك الهيِّنُ المنشأ قد أصبح خصيماً عنيداً ،وليبني عليه قوله بعد:{ ونَسِيَ خَلْقَهُ} أي نسي خلقه الضعيف فتطاول وجاوز ،ولأن خلقه من النطفة أعجب من إحيائه وهو عَظْم مجاراة لزعمه في مقدار الإِمكان ،وإن كان الله يحيي ما هو أضعف من العظام فيحيي الإِنسان من رَماده ،ومن ترابه ،ومن عَجْب ذَنَبه ،ومن لا شيء باقياً منه .
والرميم: البالي ،يقال: رَمَّ العظمُ وأَرَمَّ ،إذا بَلِي فهو فعيل بمعنى المصدر ،يقال: رمّ العظمُ رميماً ،فهو خبر بالمصدر ،ولذلك لم يطابق المخبر عنه في الجمعية وهي بِلىً .