/م77
ومن جانب آخر فإنّ الإنسان مخلوق مغرور وكثير النسيان ،فهو يستغلّ كلّ هذه النعم التي أولاها إيّاه ولي نعمته ضدّه في المجادلة والمخاصمة ،فيا له من مغفّل أحمق !!
ويكفي لمعرفة مدى غفلته وحمقه أنّه جاء: ( وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ){[3728]} .
المقصود من ضرب المثل هنا ،نفس المعنى بدون التشبيه والكناية .فالمقصود هو الاستدلال وذكر مصداق لإثبات مطلب معيّن .نعم فإنّ ( أبي بن خلف أو أمية بن خلف .أو العاص بن وائل ) كان قد وجد قطعة متفسّخة من عظم لم يكن معلوماً لمن ؟وهل مات موتاً طبيعياً ؟أو في واحدة من حروب العصر الجاهلي المهولة ؟أو مات جوعاً ؟وظنّ أنّه وجد فيه دليلا قويّاً لنفي المعاد !فحمل تلك القطعة من العظم وذهب حانقاً وفرحاً في نفس الوقت وهو يقول: لأخصمن محمّداً .
فذهب إلى الرّسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو في عجلة من أمره ليقول له: قل لي من ذا الذي يستطيع أن يلبس هذا العظم البالي لباس الحياة من جديد ؟وفتّ بيده قسماً من العظم وذرّه على الأرض ،واعتقد بأنّ الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سيتحيّر في الجوابولا يملك ردّاً !!
والجميل أنّ القرآن الكريم أجابه بجملة وجيزة مقتضبة وهي قوله تعالى: ( ونسي خلقه ) .وإن كان قد أردف مضيفاً توضيحاً أكثر .
فكأنّه يقول: لو لم تنس بدء خلقك لما استدللت بهذا الاستدلال الواهي الفارغ أبداً .
أيّها الإنسان الكثير النسيان ،عد قليلا إلى الوراء وانظر في خلقك ،كيف كنت نطفة تافهة وكلّ يوم أنت في لبس جديد من مراحل الحياة ،فأنت في حال موت وبعث مستمرين ،فمن جماد أصبحت رجلا بالغاً ،وبكميّة من عالم النبات الجامد ،ومن عالم الحيوان الميّت أيضاً أصبحت إنساناً ،ولكنّك نسيت كلّ ذلك وصرت تسأل: من يحيي العظام وهي رميم ؟ألم تكن أنت في البدء تراباً كما هو حال هذه العظام بعد تفسّخها ؟!