عقّب هذا الكلام بقوله{ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} .
والاستفهام المقدّر بعد ( أم ) هذه إنكار على حسدهم ،وليس مفيداً لنفي الحسد لأنّه واقع .والمراد بالناس النبي صلى الله عليه وسلم والفضل النبوءة ،أو المراد به النبي والمؤمنون ،والفضلُ الهُدى بالإيمان .
وقوله{ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب} عطف على مقدّر من معنى الاستفهام الإنكاري ،توجيهاً للإنكار عليهم ،أي فلا بدع فيما حسدوه إذ قد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة والملك .
وآل إبراهيم: أبناؤه وعقبه ونسله ،وهو داخل في هذا الحكم لأنّهم إنّما أعطوه لأجل كرامته عند الله ووعد الله إيّاه بذلك .وتعريف ( الكتاب ): تعريف الجنس ،فيصدق بالمتعدّد ،فيشمل صحف إبراهيم ،وصحف موسى ،وما أنزل بعد ذلك .والحكمة: النبوءة ،والملك: هو ما وعد الله به إبراهيم أن يعطيه ذرّيته وما آتى الله داوود وسليمان وملوكَ إسرائيل .
وضمير{ منهم} يجوز أن يعود إلى ما عاد إليه ضمير{ يحسدون} .وضمير{ به} يعود إلى الناس المراد منه محمّد عليه السلام: أي فمِنَ الذين أوتوا نصيباً من الكتاب مَن آمن بمحمّد ،ومنهم من أعرض .والتفريع في قوله:{ فمنهم} على هذا التفسير ناشيء على قوله{ أم يحسدون الناس} .ويجوز أن يعود ضمير{ فمنهم} إلى آل إبراهيم ،وضمير{ به} إلى إبراهيم ،أي فقد آتيناهم ما ذُكر .ومن آله من آمن به ،ومنهم من كفر مثل أبيه آزر ،وامْرأةِ ابن أخيه لوط ،أي فليس تكذيب اليهود محمّدا بأعجب من ذلك ،{ سُنَّة من قد أرسلنا قبلَك من رُسلنا}[ الإسراء: 77] ،ليَكون قد حصل الاحتجاج عليهم في الأمرين في إبطال مستند تكذيبهم ؛بإثباتتِ أنّ إتيان النبوءة ليس ببدع ،وأن محمّدا من آل إبراهيم ،فليس إرساله بأعجب من إرسال موسى .وفي تذكيرهم بأنّ هذه سنّة الأنبياء حتى لا يَعُدّوا تكذيبهم محمّدا صلى الله عليه وسلم ثلمة في نبوءته ،إذ لا يعرف رسولا أجمْعَ أهل دعوته على تصديقه من إبراهيم فَمن بعده .