لما جرى تذكيرهم بأنّ ما أصابهم من مصيبة هو مسبب عن اقتراف أعمالهم ،وتذكيرهم بحلول المصائب تارة وكشفها تارة أخرى بقوله:{ ويعفو عن كثير}[ الشورى: 30] ،وأعقب بأنهم في الحالتين غير خارجين عن قبضة القدرة الإلهية سيق لهم ذكر هذه الآية جامعة مثالاً لإصابة المصائب وظهور مخائلها المخيفة المذكّرة بما يغفلون عنه من قدرة الله والتي قد تأتي بما أُنذروا به وقد تنكشف عن غير ضر ،ودليلاً على عظيم قدرة الله تعالى وأنه لا محيص عن إصابة ما أراده ،وإدماجاً للتذكير بنعمة السير في البحر وتسخير البحر للناس فإن ذلك نعمة ،قال تعالى:{ والفُلْككِ التي تجري في البحر بما يَنْفَعُ الناس} في سورة البقرة ( 164 ) ،فكانت هذه الجملة اعتراضاً مثل جملة{ ومن آياته خلق السماوات والأرض}[ الشورى: 29] .
والآيات: الأدلة الدالة على الحق .
والجواري: جمع جارية صفة لمحذوف دل عليه ذكر البحر ،أي السفن الجواري في البحر كقوله تعالى في سورة الحاقة ( 11 ){ إنّا لَمَّا طَغَى الماء حملناكم في الجارية} وعُدل عن: الفلك إلى{ الجواري} إيماء إلى محل العبرة لأن العبرة في تسخير البحر لجريها وتفكير الإنسان في صنعها .
والأعلام: جمع عَلَم وهو الجبل ،والمراد: بالجواري السفن العظيمة التي تسع ناساً كثيرين ،والعبرة بها أظهر والنعمة بها أكثر .
وكتبت كلمة{ الجوار} في المصحف بدون ياء بعد الراء ولها نظائر كثيرة في القرآن في الرسم والقراءة ،وللقراء في أمثالها اختلاف هي التي تُدعى عند علماء القراءات بالياءات الزوائد .
وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر{ الجواري} في هذه السورة بإثبات الياء في حالة الوصل وبحذفها في حالة الوقف .وقرأ ابن كثير ويعقوب بإثبات الياء في الحالين .وقرأ الباقون بحذفها في الحالين .