قوله تعالى:{وَمِنْ ءَايَاتِهِ الْجَوَارِ في الْبَحْرِ كالأعلام} .
قوله: ومن آياته أي من علاماته الدالة على قدرته واستحقاقه للعبادة وحده ،الجواري وهي السفن واحدتها جارية ،ومنه قوله تعالى:{إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ في الْجَارِيَةِ} [ الحاقة: 11] يعني سفينة نوح ،وسميت جارية لأنها تجري في البحر .
وقوله{كالأعلام} أي كالجبال ،شبه السفن بالجبال لعظمها .
وعن مجاهد أن الأعلام القصور ،وعن الخليل: أن كل مرتفع تسميه العرب علماً ،وجمع العلم أعلام .
وهذا الذي ذكره الخليل معروف في اللغة ،ومنه قول الخنساء ترثي أخاها صخراً:
وإن صخراً لتأتم الهداة به *** كأنه علم في رأسه نار
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن جريان السفن في البحر ،من آياته تعالى الدالة على كمال قدرته ،جاء موضحاً في غير هذا الموضع ،كقوله تعالى{وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ في الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} [ يس: 41 -44]{فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَآ ءَايَةً لِّلْعَالَمِينَ} [ العنكبوت: 15] وقوله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ والأرض وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ التي تَجْرِى في الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ} إلى قوله:{لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [ البقرة: 164] الآية .وقوله تعالى في سورة النحل:{وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} [ النحل: 14] الآية .وقوله في فاطر:{وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} [ فاطر: 12] الآية .والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة .
وقرأ هذا الحرف نافع وأبو عمرو «الجواري » بياء ساكنة بعد الراء في الوصل فقط ،دون الوقف وقرأه ابن كثير بالياء المذكور في الوصل والوقف معاً ،وقرأه الباقون الجوار بحذف الياء في الوصل والوقف معاً .