جملة{ وإذا بُشِّر أحدهم} يجوز أن تكون في موضع الحال من ضمير النصب في{ وأصفاكم ربّكم بالبنين ،ومقتضى الظاهر أن يؤتى بضمير الخطاب في قوله: أحدهم} فعدل عن ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة على طريق الالتفات ليكونوا محكياً حالهم إلى غيرهم تعجيباً من فساد مقالتهم وتشنيعاً بها إذ نسبوا لله بنات دون الذّكور وهو نقص ،وكانوا ممن يكره البنات ويَحقِرهُنَّ فنسبَتها إلى الله مفض إلى الاستخفاف بجانب الإلهية .
والمعنى: أأتّخذ مما يخلق بنات الله وأصفاكم بالبنين في حال أنكم إذا بُشّر أحدكم بما ضربه للرحمان مثلاً ظَلَّ وجهه مسودّاً .ويجوز أن تكون اعتراضاً بين جملة{ أم اتخذ مما يَخْلُق بناتٍ} وجملة{ أوَ مَنْ ينشأ في الحِلية}[ الزخرف: 18] .
واستعمال البشارة هنا تهكّم بهم كقوله:{ فبشرهم بعذابٍ أليمٍ}[ الإنشقاق: 2] لأن البشارة إعلام بحصول أمر مسرّ .
و ( ما ) في قوله:{ بما ضرب للرحمان مثلاً} موصولة ،أي بُشر بالجنس الذي ضربه ،أي جعله مثَلاً وشبهاً لله في الإلهية ،وإذ جعلوا جنس الأنثى جزْءاً لله ،أي منفصلاً منه فالمبشَّر به جنس الأنثى ،والجنس لا يتعين .فلا حاجة إلى تقدير بشر بمِثل ما ضربه للرحمان مثلاً .
والمَثَل: الشبيه .
والضرْب: الجعل والصنع ،ومنه ضَرْب الدينار ،وقولهم: ضَرْبةُ لَازِبٍ ،فَمَا صْدَقُ{ بما ضرب للرحمان مثلاً} هو الإناث .
ومعنى{ ظَلّ} هنا: صار ،فإن الأفعال الناقصة الخمسة المفتتح بها باب الأفعال الناقصة ،تستعمل بمعنى صار .
واسوِداد الوجه من شدة الغضب والغيظ إذ يصعد الدم إلى الوجه فتصير حمرته إلى سواد ،والمعنى: تغيَّظ .
والكظيم: الممسك ،أي عن الكلام كرباً وحزناً .