قوله:{ لئن بسطتّ إليّ يدك لتقتلني} الخ موعظة لأخيه ليذكّره خطر هذا الجرم الّذي أقدم عليه .وفيه إشعار بأنّه يستطيع دفاعه ولكنّه منعه منه خوفُ الله تعالى .والظاهر أنّ هذا اجتهاد من هابيل في استعظام جُرم قتل النّفس ،ولو كان القتل دفاعاً .وقد عَلم الأخوان ما هو القتل بما يعرفانه من ذبح الحيوان والصّيد ،فكان القتل معروفاً لهما ،ولهذا عزم عليه قابيل ،فرأى هابيل للنّفوس حرمة ولو كانت ظالمة ،ورأى في الاستسلام لطالب قتله إبقاء على حفظ النّفوس لإكمال مراد الله من تعمير الأرض .ويمكن أن يكونا تلقّيا من أبيهما الوصاية بحفظ النّفوس صغيرها وكبيرها ولو كان في وقت الدّفاع ،ولذلك قال:{ إنّي أخاف الله ربّ العالمين} .فقوله:{ إنّي أخاف الله} يدلّ على أنّ الدّفاع بما يفضي إلى القتل كان محرّماً وأنّ هذا شريعة منسوخة لأنّ الشّرائع تبيح للمُعتدَى عليه أن يدافع عن نفسه ولو بقتل المعْتدي ،ولكنّه لا يتجاوز الحدّ الّذي يحصل به الدّفاع .
وأمّا حديث « إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار » فذلك في القتال على المُلْك وقصد التغالب الّذي ينكفّ فيه المعتدي بتسليم الآخر له ؛فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصْلَح الفريقين بالتّسليم للآخر وحمل التَبِعَة عليه تجنّباً للفتنة ،وهو الموقف الّذي وقفه عثمان رضي الله عنه رجاء الصلاح .