قوله:{ فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه} إلى قوله:{ بل هو كذاب أشر} ولو كان المراد بالنذر جمع النذير وأطلق على نذيرهم لكان وجه النظم أن تقع جملة{ فقالوا أبشراً} إلى آخرها غير معطوفة بالفاء لأنها تكون حينئذٍ بياناً لجملة{ كذبت ثمود بالنذر} .
والمعنى: أن صالحاً جاءهم بالإِنذارات فجحدوا بها وكانت شبهتهم في التكذيب ما أعرب عنه قولهم:{ أبشراً منا واحداً نتبعه} إلى آخره ،فهذا القول يقتضي كونه جواباً عن دعوة وإنذار ،وإنما فُصّل تكذيب ثمود وأجمل تكذيب عاد لقصد بيان المشابهة بين تكذيبهم ثمود وتكذيب قريش إذ تشابهت أقوالهم .
والقول في انتظام جملة{ فقالوا أبشراً} الخ بعد جملة{ كذبت ثمود بالنذر} كالقول في جملة{ فكذبوا عبدنا}[ القمر: 9] بعد جملة{ كذبت قبلهم قوم نوح}[ القمر: 9] .
وهذا قول قالوه لرسولهم لما أنذرهم بالنذر لأن قوله:{ كذبت} يؤذن بمخبر إذ التكذيب يقتضي وجود مخبر .وهو كلام شافهوا به صالحاً وهو الذي عنوه بقولهم:{ أبشراً منَّا} إلخ .وعدلوا عن الخطاب إلى الغيبة .
وانتصب{ أبشراً} على المفعولية ل{ نتبعه} على طريقة الاشتغال ،وقدم لاتصاله بهمزة الاستفهام لأن حقها التصدير واتصلت به دونَ أن تدخل على نتبع لأن محل الاستفهام الإنكاري هو كون البشر متبوعاً لا اتباعهم له ومثله{ أبشر يهدوننا}[ التغابن: 6] وهذا من دقائق مواقع أدوات الاستفهام كما بين في علم المعاني .
والاستفهام هنا إنكاري ،أنكروا أن يرسل الله إلى الناس بَشراً مثلهم ،أي لو شاء الله لأرسل ملائكة .
ووصف{ بشراً} ب{ واحداً}: إما بمعنى أنه منفرد في دعوته لا أتباع له ولا نصراء ،أي ليس ممن يخشى ،أي بعكس قول أهل مدين{ ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز}[ هود: 91] .وإما بمعنى أنه من جملة آحاد الناس ،أي ليس من أفضلنا .وإما بمعنى أنه منفرد في ادعاء الرسالة لا سلف له فيها كقول أبي مِحْجن الثقفي:
قد كنت أغنى الناس شخصاً واحداً *** سَكن المدينة من مزارع فُوم
يريد: لا يناظرني في ذلك أحد .
وجملة{ إنا إذا لفي ضلال وسعر} تعليل لإنكار أن يتبعوا بشراً منهم تقديره: أنتّبعك وأنت بشر واحد منا .
و ( إذن ) حرف جواب هي رابطة الجملة بالتي قبلها .والضلال: عدم الاهتداء إلى الطريق ،أرادوا: إنا إذن مخطئون في أمرنا .
و{ السُعُر}: الجُنون ،يقال بضم العين وسكونها .