ويستعرض سبحانه سبب تكذيبهم ( الأنبياء ) حيث يقول على لسان قوم ثمود: ( فقالوا أبشراً منّا واحداً نتّبعه ،إنّا إذاً لفي ضلال وسعر ) .
نعم ،إنّ الكبرياء والغرور والنظرة المتعالية تجاه الآخرين ،بالإضافة إلى حبّ الذات كانت حاجزاً عن الاستجابة لدعوة الأنبياء ( عليهم السلام ) ،لقد قالوا: إنّ ( صالح ) شخص مثلنا وليست له أيّ امتيازات علينا ليصبح زعيماً وقائداً نطيعه ونتّبعه ،كما لا يوجد سبب لإتّباعه .
وهذا هو الإشكال الذي تورده جميع الأقوام الضالّة على أنبيائها بأنّهم أشخاص مثلنا ،ولذا لا يمكن أن يكونوا أنبياء إلهيين .
واستفاد قسم آخر من المفسّرين من تعبير ( واحداً ) أنّ قوم صالح كانوا ينظرون إلى نبيّهم أنّه شخص ( عادي ) وليس له مال وفير ولا نسب رفيع يمتاز به عليهم .
كما يفسّر البعض كلمة ( واحداً ) أنّه شخص واحد لا يمتلك العمق والامتداد الاجتماعي الذي يتطلّبه الموقع القيادي في ذلك العصر ،حيث النصرة والمؤازرة .
وهنالك رأي ثالث يذهب إلى أنّ المقصود بكلمة ( واحداً ) ليس هو الواحد العددي ،بل مرادهم الواحد النوعي ،أي انّه فرد من نوعنا وجنسنا ونوع البشر لا يستطيع أن يبلغ رسالة سماوية حيث مقتضى ضرورة التبليغ للرسالات السماويةحسب رأيهمأن يكون النّبي أو الرّسول ( ملكاً ) .
وطبعاً يمكن الجمع بين هذه التفاسير الثلاثة ..
وعلى كلّ حال ،فإنّ إدّعاءات قوم صالح كانت واهية وغير منطقية .
( سعر ) على وزن ( حُمُر ) جمع سعير ،وفي الأصل بمعنى اشتعال النار وهيجانها ،وفي بعض الأحيان بمعنى ( جنون ) لأنّ الإنسان المجنون يكون في حالة هيجان خاصّة ،لذا يقال في بعض الأحيان ناقة مسعورة .
ويحتمل أنّ قوم ثمود أخذوا هذا التعبير من نبيّهم ( صالح ) ( عليه السلام ) حيث كان يقول لهم: إذا لم تتخلّوا عن عبادة الأصنام وتستجيبون إلى دعوة الله فإنّكم في «ضلال وسعر » ،وكان ردّهم: ( أبشراً منّا واحداً نتّبعه إنّا إذاً لفي ضلال وسُعُر )وعلى كلّ حال فإنّ ذكر كلمة ( سعر ) بصيغة الجمع جاءت هنا للتأكيد والاستمرار ،سواء كان معناها الجنون أو اشتعال النار .