وتزداد اللجاجة والعناد في قوم ثمود فيتساءلون: إذا أريد نزول الوحي على إنسان ،فلماذا اختّص بصالح من بيننا ،مع وجود الشخصيات الأكثر مالا والأقوى اعتبارا: ( أألقي الذكر عليه من بيننا ) .
وفي الحقيقة أنّ هذه الأقوال لها شبه كبير بأقوال مشركي مكّة ،ذلك أنّهم شكّكوا برسالة النّبي بأقوال مماثلة: ( ما لهذا الرّسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ،لولا أُنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً ){[4871]} .
وتارةً يقولون: ( لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ){[4872]} .
ثمّ تساءلوا: إذا قدّر لبشر أن يتصدّى لمهمّة الرسالة الإلهيّة ،فلماذا كان الاختيار لأشخاص مغمورين ليس لهم ظهير من عشيرة ولا كثرة من مال ...
هذه الإشكالات التي تحكي السطحية في التفكير كانت تتناقلها وتتداولها أجيال المشركين جيلا بعد جيل للتشكيك في الرسالات الإلهية ،وذلك لتصوّرهم أنّ من كان خلال افتراضهم أنّ من يتصدّى لهذه المهمّة لابدّ أن يكون ذا قوّة وقوم ومال ونسب وجاه ومنصب فهو شخصية مهمّة ،وهذه الأمور تدلّ على شخصية وكرامة الإنسان ،في حين أنّ أكثر العناصر الظالمة والمتجبّرة هي المتّصفة بالصفات السابقة .
ويمكن تفسير الآية أيضاًكما اختاره بعض المفسّرينعلى ضوء التساؤلات التي أطلقها قوم ثمود والتي تتركّز بما يلي: ما هي علّة نزول الوحي على صالح ( عليه السلام ) ؟ولماذا لم ينزل علينا جميعاً ؟،وما هي المميّزات التي اختصر بها صالح ( عليه السلام ) ليتميّز علينا بهذا الخصوص !؟وهذا المعنى ورد أيضاً في سورة المدثر ،الآية 52 حيث يقول سبحانه في ذلك: ( بل يريد كلّ امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة ) .
ثمّ تختتم الآية بقوله سبحانه: ( بل هو كذّاب أشر ) وذلك اتهاما لصالح ( عليه السلام )بالكذب فيما ادّعاه من اختصاص من الوحي به وإنذار قومه وأنّه يريد أن يتحكّم علينا ويجعل كلّ أمورنا تحت قبضته ويسيرنا وفق هواه وإرادته ..
( أشِر ) وصف من مادّة ( أشر ) على وزن ( قمر ) بمعنى بطر ومرح زائد عن الحدّ .