{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} .
تفريع على{ فما تغن النذر}[ القمر: 5] ،أي أعرِضْ عن مجادلتهم فإنهم لا تفيدهم النذر كقوله:{ فأعرض عمن تولى عن ذكرنا}[ النجم: 29] ،أي أنك قد بلّغت فما أنت بمسؤول عن استجابتهم كما قال تعالى:{ فتول عنهم فما أنت بملوم}[ الذاريات: 54] .وهذا تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم وتطمين له بأنه ما قَصر في أداء الرسالة .ولا تعلّق لهذه الآية بأحكام قتالهم إذ لم يكن السياق له ولا حدثت دواعيه يومئذٍ فلا وجه للقول بأنها منسوخة .
{ يَوْمَ يَدْعُو الداع إلى شَىْءٍ نُّكُرٍ} .
استئناف بياني لأن الأمر بالتولّي مؤذن بغضب ووعيد فمن شأنه أن يثير في نفس السامع تساؤلاً عن مجمل هذا الوعيد .وهذا الاستئناف وقع معترضاً بين جملة{ ولقد جاءهم من الأنباء}[ القمر: 4] وجملة{ كذبت قبلهم قوم نوح}[ القمر: 9] .
وإذ قد كان المتوعد به شيئاً يحصل يوم القيامة قدم الظرف على عامله وهو{ يقول الكافرون هذا يوم عسر} ليحصل بتقديمه إجمال يفصّله بعض التفصيل ما يُذكر بعده ،فإذا سمع السامع هذا الظرف علم أنه ظرف لأهوال تذكر بعده هي تفصيل ما أجمله قوله:{ فتول عنهم} من الوعيد بحيث لا يحسن وقع شيء مما في هذه الجملة هذا الموقع غير هذا الظرف ،ولولا تقديمه لجاء الكلام غير موثوق العرى ،وانظر كيف جمع فيما بعد قوله:{ يوم يدع الداع} كثيراً من الأهوال آخذٌ بعضها بحجز بعض بحسن اتصال ينقل كل منها ذهن السامع إلى الذي بعده من غير شعور بأنه يُعدّد له أشياءَ .
وقد عُدّ سبعة من مظاهر الأهوال:
أولها: دعاء الداعي فإنه مؤذن بأنهم محضرون إلى الحساب ،لأن مفعول{ يدع} محذوف بتقدير: يدعوهم الداعي لدلالة ضمير{ عنهم} على تقدير المحذوف .
الثاني: أنه يدعو إلى شيء عظيم لأن ما في لفظ{ شيء} من الإِبهام يُشعر بأنه مهول ،وما في تنكيره من التعظيم يجسم ذلك الهول .
وثالثها: وصف شيء بأنه{ نكر} ،أي موصوف بأنه تنكره النفوس وتكرهه .
والنكُر بضمتين: صفة ،وهذا الوزن قليل في الصفات ،ومنه قولهم: روضة أُنُف ،أي جديدة لم ترعها الماشية ،ورجل شُلُل ،أي خفيف سريع في الحاجات ،ورجل سُجُح بجيم قبل الحاء ،أي سمح ،وناقة أُجُد: قوية موثقة فَقار الظهر ،ويجوز إسكان عين الكلمة فيها للتخفيف وبه قرأ ابن كثير هنا .