و{ حكمة بالغة} بدل من{ مَا} ،أي جاءهم حكمةٌ بالغة .
والحكمة: إتقان الفهم وإصابة العقل .والمراد هنا الكلام الذي تضمن الحكمة ويفيد سامعه حكمة ،فوصْفُ الكلام بالحكمة مجاز عقلي كثير الاستعمال ،وتقدم في سورة البقرة ( 269 ) ،{ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} والبالغة: الواصلة ،أي واصلة إلى المقصود مفيدة لصاحبها .
وفرع عليه قوله:{ فما تغن النذر} ،أي جاءهم ما فيه مزدجر فلم يُغن ذلك ،أي لم يحصل فيه الإقلاع عن ضلالهم .
و{ ما} تحتمل النفي ،أي لا تغني عنهم النذر بعد ذلك .وهذا تمهيد لقوله:{ فتول عنهم}[ القمر: 6] ،فالمضارع للحال والاستقبال ،أي ما هي مغنية ،ويفيد بالفحوى أن تلك الأنباء لم تغن عنهم فيما مضى بطريق الأحرى ،لأنه إذا كان ما جاءهم من الأنباء لا يغني عنهم من الانزجار شيئاً في الحال والاستقبال فهو لم يغن عنهم فيما مضى إذ لو أغنى عنهم لارتفع اللوم عليهم .
ويحتمل أن تكون{ مَا} استفهامية للإِنكار ،أي ماذا تفيد النذر في أمثالهم المكابرين المصرين ،أي لا غناء لهم في تلك الأنباء ،ف{ ما} على هذا في محل نصب على المفعول المطلق ل{ تغن} ،وحذف ما أضيفت إليه{ ما} .والتقدير: فأي غناء تغني النذر وهو المخبر بما يسوء ،فإن الأنباء تتضمن إرسال الرسل من الله منذرين لقومهم فما أغنوهم ولم ينتفعوا بهم ولأن الأنباء فيها الموعظة والتحذير من مثل صنيعهم فيكون المراد ب{ النذر} آيات القرآن ،جعلت كل آية كالنذير: وجمعت على نُذُر ،ويجوز أن يكون جمع نذير بمعنى الإِنذار اسم مصدر ،وتقدم عند قوله تعالى:{ هذا نذير من النذر الأولى} في آخر سورة النجم ( 56 ) .