( 5 ) حكمة بالغة فما تغني النذر: هناك من حمل"فما "على النفي فيكون معنى الآية أن النذر والآيات لا تغني إذا لم يزدجر المكذبون بما جاءهم من الأنباء والهدى والحكمة في القرآن .وهناك من حملها على الاستفهام فيكون معنى الآية تقريعيا وتساؤلا عما تغني عنه الآيات والنذر إذا لم يزدجر الناس بما جاءهم في القرآن من الأنباء والهدى والحكمة البالغة .ومعظم المفسرين يجعلون جملة{حكمة بالغة} بدلا بيانيا من مزدجر{[2074]} .والحكمة هنا هي حكمة الله تعالى .وهي كل ما فيه الهدى والحق والإحكام .
/م1
شرح لكلمة [ الحكمة] ومعانيها في القرآن
وبمناسبة ورود هذه الكلمة لأول مرة في هذه السورة نذكر أن هذه الكلمة تكررت كثيرا في مناسبات متنوعة .وأصل الكلمة من [ حكم] بمعنى فصل وقضى وبت وضبط .وقد جاءت في القرآن وفي اللغة العربية بالتالي لتعبر عن معان عديدة أخرى ،وإن لم تبتعد عن هذا الأصل حيث صارت تعبر عن كل قول وفعل وشيء يكون فيه صواب وسداد وحق وهدى وبر ومعروف وضبط وإتقان .ويكون بعيدا عن الطيش والرعونة والغلظة والجفاء والبغي والضرر والباطل .وفي سورتي الإسراء ولقمان سلسلتان من الآيات فيها وصايا وأوامر ونواه إيمانية وأخلاقية واجتماعية وسلوكية رائعة إحداهما من الله تعالى مباشرة وثانيتهما على لسان لقمان .وكلتاهما وصفتا بالحكمة .حيث جاء في آخر سلسلة الإسراء{ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة} [ 39] وفي أول سلسلة سورة لقمان{ولقد آتينا لقمان الحكمة} [ 12] وكل ما في هاتين السلسلتين هو في نطاق المعاني المذكورة .وفي سورة النحل جاءت الكلمة في معرض رسم خطة للنبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى سبيل الله كما ترى في هذه الآية:{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [ 125] حيث يفيد هذا النص أن الحكمة هي البعد عن الجفاء والغظة واللجاج والتزام العقل والمنطق وحسن العرض والنية .وهو ما يتصل بالمعاني المذكورة أيضا .
وهناك آيات تذكر ما آتاه الله سبحانه لأنبيائه من الحكمة وإرسالهم للناس بها وتعليمهم إياها للناس إلى جانب كلمة الكتاب ؛حيث يفيد هذا أن الحكمة التي أوتيها أنبياء الله هي ما ألهمهم إياه من قول وفعل متصفين بالصفات المذكورة آنفا بالإضافة إلى ما احتوته كتب الله المنزلة عليهم من مثل ذلك كما ترى في الآيات التالية:
1-{كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آيتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} [ البقرة: 151] .
2-{ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} [ آل عمران: 48]
3-{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} [ آل عمران: 81] .
4-{وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم} [ النساء: 113] .
وفي سورة البقرة تنويه بمن يؤتيه الله الحكمة كما ترى في هذه الآية:{يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب269} والمتبادر أن الكلمة هنا تعني الأقوال والأفعال المتصفة بتلك الصفات .
ومن هنا يصح أن تسمى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية: حكمة ،وأن يقال: إنها ما عني بها في آية البقرة [ 151] وأمثالها .ونكتفي الآن بما تقدم على أن نعود إلى بيانات وشروح أخرى في مناسبات آتية .