قوله:{ فلمَّا رأى الشمس بازغة} أي في الصباح بعد أن أفل القمر ،وذلك في إحدى الليالي التي يغرب فيها القمر قبيل طلوع الشمس لأنّ الظاهر أنّ هذا الاستدلال كلّه وقع في مجلس واحد .
وقوله للشمس{ هذا ربِّي} باسم إشارة المذكّر مع أنّ الشمس تجري مجرى المؤنّث لأنّه اعتبرها ربّاً ،فروعي في الإشارة معنى الخبر ،فكأنَّه قال: هذا الجرْم الذي تدعونه الشمس تبيّن أنَّه هو ربِّي .وجملة{ هذا ربي} جارية مجرى العلَّة لجملة{ هذا ربِّي} المقتضية نقض ربوبية الكوكب والقمر وحصر الرّبوبيّة في الشمس ونفيها عن الكوكب والقمر ،ولذلك حذف المُفضّل عليه لظهوره ،أي هو أكبر منهما ،يعني أن الأكبر الأكثر إضاءة أولى باستحقاق الإلهية .
وقوله:{ قال يا قوم إنِّي بريء ممَّا تشركون} ،إقناع لهم بأنْ لا يحاولوا موافقته إيَّاهم على ضلالهم لأنَّه لما انتفى استحقاق الإلهية عن أعظم الكواكب التي عبدوها فقد انتفى عمَّا دونها بالأحرى .
والبريء فعيل بمعنى فَاعِل من بَرىءَ بكسر الرّاء لا غير يَبرَأ بفتح الرّاء لا غير بمعنى تفصّى وتنزّه ونفَى المخالطة بينه وبين المجرور ب ( مِن ) .ومنه{ أن الله بريء من المشركين}[ التوبة: 3] ،{ فبرّأهُ الله ممَّا قالُوا}[ الأحزاب: 69] ،{ وما أبرّىء نفسي}[ يوسف: 53] .فمعنى قوله{ بريء} هنا أنَّه لا صلة بينه وبين ما يشركون .
والصلة في هذا المقام هي العبادة إن كان ما يشركون مراداً به الأصنام ،أو هي التلبّس والاتِّباع إن كان ما يشركون بمعنى الشرك .
والأظهر أنّ ( ما ) في قوله{ ما تشركون} موصولة وأنّ العائد محذوف لأجل الفاصلة ،أي ما تشركون به ،كما سيأتي في قوله:{ ولا أخاف ما تشركون به}[ الأنعام: 80] لأنّ الغالب في فعل البراءة أن يتعلَّق بالذوات ،ولئلاّ يتكرّر مع قوله بعده{ وما أنا من المشركين} .ويجوز أن تكون ( ما ) مصدرية ،أي من إشراككم ،أي لا أتقلَّده .
وتسميته عبادتهم الأصنام إشراكاً لأنّ قومه كانوا يعترفون بالله ويشركون معه في الإلهية غيره كما كان إشراك العرب وهو ظاهر أي القرآن حيث ورد فيها الاحتجاج عليهم بخالق السماوات والأرض ،وهو المناسب لضرب المثل لمشركي العرب بشأن إبراهيم وقومه ،ولقوله الآتي{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}[ الأنعام: 82] .