{ فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربي} أي قال مشيرا إليها على الطريقة التي بيناها فيما قبله:هذا الذي أرى الآن أو الذي أشير إليه ربي .قال الزمخشري:جعل المبتدأ مثل الخبر بكونهما عبارة عن شيء واحد كقولهم ما جاءت حاجتك ، ومن كانت أمك ، « ولم تكن فتنتهم إلا أن قالوا » وكان اختيار هذه الطريقة واجبا لصيانة الرب عن شبهة التأنيث ، ألا تراهم قالوا في صفة الله:علام ولم يقولوا علامة- وإن كان العلامة أبلغ- احترازا من علامة التأنيث اه وجوز أبو حيان أن يكون تذكير الإشارة إلى الشمس حكاية لما قيل بلغة العجم وأكثر لغاتهم لا تميز بين المذكر والمؤنث في الإشارة ولا في الضمائر .ونوقش في كون ذلك مقتضى الحكاية وفي دعوى كون لغة إبراهيم من ذكر الأعجمية .وقد سبق لنا القول بأنها عربية ممزوجة ، على أن بعض الأعاجم يذكرون الشمس ويؤنثون القمر .وسيأتي فيما نذكر من عقائد قوم إبراهيم أن للشمس زوجة .
وأما قوله صلوات الله وسلامه عليه{ هذا أكبر} فهو تأكيد لإظهار النصفة للقوم ، ومبالغة في تلك المجاراة الظاهرة لهم وتمهيد قوي لإقامة الحجة البالغة عليهم واستدراج لهم إلى التمادي في الاستماع بعد ذلك التعريض الذي كان يخشى أن يصدهم عنه .ومعناه أن هذا أكبر من القمر والكواكب قدرا ، وأعظم ضياء ، ونورا ، فهو إذا أجدر منهما بالربوبية ، إن كان المدار فيها على التفاضل والخصوصية .
{ فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون} أي فلما أفلت كما أفل غيرها ، واحتجب ضوءها المشرق وذهب سلطانها ، وكانت الوحشة بذلك أشد من الوحشة باحتجاب الكوكب والقمر ، صرح عليه الصلاة والسلام بالنتيجة المرادة من ذلك التعريض ، فتبرأ من شرك قومه ، الذي أظهر مجازاتهم عليه في ليلته ويومه .والبراءة من الشيء التفصي منه والتنحي عنه لاستقباحه ، فهو كالبرء من المرض وهو السلامة من ألمه وضرره ، وما مصدرية أو موصولة أي أني بريء من شرككم بالله تعالى أو من هذه المعبودات التي جعلتموها أربابا وآلهة مع الله تعالى .فيشمل الكواكب والأصنام وكل ما عبدوه وهو كثير .
/خ79