فقوله:{ أولَى لك} وعيد ،وهي كلمة تَوعُّد تجري مَجرى المَثَل في لزوم هذا اللفظ لكن تلحقه علامات الخطاب والغيبة والتكلم ،والمراد به ما يراد بقولهم: ويل لك ،من دعاء على المجرور باللام بعدها ،أي دعاء بأن يكون المكروه أدنى شيء منه .
{ فأوْلى}: اسم تفضيل من وَلي ،وفاعله ضمير محذوف عائد على مقدر معلوم في العرف ،فيقدره كل سامع بما يدل على المكروه ،قال الأصمعي: معناه: قاربكَ ما تَكره ،قالت الخنساء:
همَمْتُ بنفسيَ كُلَّ الهموم *** فأولى لنفسيَ أولى لها
وكان القانص إذا أفلتَه الصيدُ يخاطب الصيد بقوله:{ أولى لك} وقد قيل: إن منه قوله تعالى:{ فأولى لهم} من قوله:{ فأولى لهم طاعة وقول معروف} في سورة القتال ( 20 ،21 ) على أحد تأويلين يجعل{ طاعة وقول معروف} مستأنفاً وليس فاعلاً لاسم التفضيل ،وذهب أبو علي الفارسي إلى أن{ أولى} عَلم لمعنى الوَيل وأن وزنه أفْعل من الويل وهو الهلاك ،فأصل تصريفه أوْيَل لك ،أي أشدُّ هلاكاً لك فوقع فيه القلب ( لطلب التخفيف ) بأن أخرت الياء إلى آخر الكلمة وصار أوْلَى بوزن أفلَحَ ،فلما تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله قلب ألفاً فقالوا: أولى في صورة وزن فَعْلى .
والكاف خطاب للإِنسان المصرح به غير مرة في الآيات السابقة بطريق الغيبة إظهاراً وإضماراً ،وعدل هنا عن طريق الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات لمواجهة الإِنسان بالدعاء لأن المواجهة أوقع في التوبيخ ،وكان مقتضى الظاهر أن يقال: أولَى له .
وقوله:{ فأولى} تأكيد ل{ أَوْلى لك} جيء فيه بفاء التعقيب للدلالة على أنه يدعي عليه بأن يعقبه المكروه ويعقب بدعاء آخر .
قال قتادة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد فاستقبله أبو جهل على باب بني مخزوم فأخذ رسول الله فلبَّبَ أبا جهل بثيابه وقال له{ أولى لك فأولى ثم أولَى لك فأولى} قال أبو جهل: يتهددني محمد ( أي يستعمل كلمة الدعاء في إرادة التهديد ) فوالله إني لأَعَزُّ أهلِ الوادي .وأنزل الله تعالى{ أولى لك فأولى} كما قَال لأبي جهل .