والغُثاء: بضم الغين المعجمة وتخفيف المثلثة ،ويقال بتشديد المثلثة هو اليابس من النبت .
والأحوى: الموصوف بالحُوَّة بضم الحاء وتشديد الواو ،وهي من الألوان: سُمرة تقرب من السواد .وهو صفة{ غثاء} لأن الغثاء يابس فتصير خضرته حُوّة .
وهذا الوصف أحوى لاستحضار تغيُّر لونه بعد أن كان أخضر يانعاً وذلك دليل على تصرفه تعالى بالإنشاء وبالإنهاء .وفي وصف إخراج الله تعالى المرعى وجعله غُثاء أحوى مع ما سبقه من الأوصاف في سياق المناسبة بينها وبين الغرض المسوق له الكلام إيماء إلى تمثيل حال القرآن وهدايته وما اشتمل عليه من الشريعة التي تنفع الناس بحال الغيث الذي يَنبت به المرعَى فتنتفع به الدواب والأنعام ،وإلى أن هذه الشريعة تكمل ويبلغ ما أراد الله فيها كما يكمل المرعَى ويبلغ نُضجه حين يصير غثاء أحوى ،على طريقة تمثيلية مكنية رُمز إليها بذكر لازم الغيث وهو المرعى .
وقد جاء بيان هذا الإِيماء وتفصيله بقول النبي صلى الله عليه وسلم «مثل ما بَعَثني الله به من الهُدى والعِلم كمثَل الغيث الكثير أصابَ أرضاً فكان منها نَقِيُّةٌ قَبِلَتْ الماء فأنبتت الكلأ والعُشُبَ الكثير ،وكانت منها أجادب أمسكت الماء ،فنفع الله بها الناس فشربوا وسَقوا وزرعوا» الحديث .
ويجوز أن يكون المقصود من جملة:{ فجعله غثاء أحوى} إدماج العبرة بتصاريف ما أودع الله في المخلوقات من مختلف الأطوار من الشيء إلى ضده للتذكير بالفناء بعد الحياة كما قال تعالى:{ اللَّه الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير}[ الروم: 54] للإِشارة إلى أن مدة نضارة الحياة للأشياء تشبه المدة القصيرة ،فاستعير لعطف{ جعله غثاء} الحرفُ الموضوع لعطف ما يحصل فيه حكم المعطوف بعدَ زمن قريب من زمن حصول المعطوف عليه ،ويكون ذلك من قبيل قوله تعالى:{ إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام} إلى قوله:{ فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس}[ يونس: 24] .