ثمّ: ( فجعله غُثاء أحوى ) .
«الغثاء »: هو ما يطفح ويتفرق من النبات اليابس على سطح الماء الجاري ،ويطلق أيضاً على ما يطفح على سطح القدر عند الطبخ ،ويستعمل كناية عن: كلّ ضائع ومفقود ،وجاء في الآية بمعنى: النبات اليابس المتراكم .
«أحوى »: من ( الحوة )على زنة قوّةوهي شدّة الخضرة ،أو شدّة السواد ،وكلاهما من أصل واحد ،لأنّ الخضرة لو اشتدّت قربت من السواد ،وجاء في الآية بمعنى: تجمع النبات اليابس وتراكمه حتّى يتحول لونه تدريجياً إلى السواد .
ويمكن أن يكون اختيار هذا التعبير في مقام بيان النعم الإلهية ،لأحد أسباب ثلاث:
الأوّل: إنّ حال هذه النباتات يشير بشكل غير مباشر إلى فناء الدنيا ،لتكون دوماً درساً وعبرة للإنسان ،فهي بعد أن تنمو وتخضر في الربيع ،شيئاً فشيئاً ستيبس وتموت بعد مرور الأيّام عليها ،حتى يتحول جمالها الزاهي في فصل الربيع إلى سواد قاتم ،ولسان حالها يقول بعدم دوام الدنيا وانقضائها السريع .
الثّاني: إنّ النباتات اليابسة عندما تتراكم ،فستتحول بمرور الوقت إلى سماد طبيعي ،ليعطي الأرض القدرة اللازمة لإخراج نباتات جديدة أخرى الثّالث:إنّ الآية تشير إلى تكوّن الفحم الحجري من النباتات والأشجار .
فكما هو معلوم ،إنّ الفحم الحجري ،والذي يعتبر من المصادر المهمّة للطاقة ،قد تكوّن من النباتات والأشجار التي يبست منذ ملايين السنين ،ودفنت في الأرض حتى تحجرت واسود لونها بمرور الزمان .
ويعتقد بعض العلماء ،بأنّ مناجم الفحم الحجري قد تكوّنت من جراء النباتات اليابسة المدفونة في داخل الأرض منذ ( 250 ) مليون سنة تقريباً !
ولو أخذنا بنظر الاعتبار مقدار الاستهلاك الفعلي للفحم الحجري في العالم ،لوجدنا أنّها تؤمن احتياج النّاس لأكثر من ( 4000 ) سنة .
وتفسير الآية بالمعنى الأخير دون غيره بعيد حسب الظاهر ،ولا يستبعد أن تكون الآية قد أرادت كل ما جاء في المعاني الثلاث أعلاه .
وعلى أيّة حال ،فللغثاء الأحوى منافع كثيرة ..فهو غذاء جيد للحيوانات في الشتاء ،ويستعمل كسماد طبيعي للأرض ،وكذا يستعمله الإنسان كوقود .
فما ذكرته الآيات من صفات: الربوبية ،الأعلى ،الخلق ،التسوية ،التقدير ،الهداية وإخراج المرعى ،توصلنا إلى الربوبية الحقّة للّه جلّ وعلا ،وبقليل من التأمل يتمكن أيّ إنسان من إدراك هذا المعنى ،ليصل نور الإيمان إلى قلبه ،فيشكر المنعم على ما أعطى .
/خ5