والاستثناء في قوله:{ إلا ما شاء اللَّه} مفرّع من فعل{ تنسى} ،و ( ما ) موصولة هي المستثنى .والتقدير: إلا الذي شاء الله أن تنساه ،فحذف مفعول فعل المشيئة جرياً على غالب استعماله في كلام العرب ،وانظر ما تقدم في قوله:{ ولو شاء اللَّه لذهب بسمعهم وأبصارهم} في سورة البقرة ( 20 ) .
والمقصود بهذا أن بعض القرآن ينساه النبي إذا شاء الله أن ينساه .وذلك نوعان:
أحدهما: وهو أظهرهما أن الله إذا شاء نسخ تلاوة بعض ما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يترك قراءَته فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بأن لا يقرأوه حتى ينساه النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون .
وهذا مثل ما روي عن عمر أنه قال: « كان فيما أنزل الشيخُ والشيخه إذا زنيا فارجموهما » قال عمر: لقد قرأنَاها ،وأنه كان فيما أنزل: « لا تَرغبوا عن ءابائكم فإنَّ كفراً بكم أن ترغبوا عن ءابائكم » .وهذا ما أشير إليه بقوله تعالى:{ أو ننسها} في قراءة من قرأ:{ نُنْسِها} في سورة البقرة ( 106 ) .
النوع الثاني: ما يعرض نسيانه للنبيء صلى الله عليه وسلم نسياناً موقتاً كشأن عوارض الحافظة البشرية ثم يقيض الله له ما يذكره به .ففي « صحيح البخاري » عن عائشة قالت: « سمع النبيءُ صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ من الليل بالمسجد فقال: يرحمه الله لقد أذكَرَنِي كذا وكذا آيةً أسقطتهن أو كنت أنسيتُها من سورة كذا وكذا ،وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقط آية في قراءته في الصلاة فسأله أبَيّ بن كعب أُنسِخَتْ ؟فقال: « نسيتُها » .
وليس قوله:{ فلا تنسى} من الخبر المستعمل في النهي عن النسيان لأن النسيان لا يدخل تحت التكليف ،أمَّا إنه ليست ( لا ) فيه ناهية فظاهر ومن زعمه تعسف لتعليل كتابة الألف في آخره .
وجملة:{ إنه يعلم الجهر وما يخفى} معترضة وهي تعليل لجملة:{ فلا تنسى}{ إلا ما شاء الله} فإن مضمون تلك الجملة ضمان الله لرسوله صلى الله عليه وسلم حفظ القرآن من النقص العارض .
ومناسبة الجهر وما يخفى أن ما يقرؤه الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن هو من قبيل الجهر فالله يعلمه ،وما ينساه فيسقطه من القرآن هو من قبيل الخفيّ فيعلم الله أنه اختفى في حافظته حين القراءة فلم يبرز إلى النطق به .