وقوله تعالى:{ إلا ما شاء الله} استثناء مفرغ من أعم المفاعيل أي لا تنسى مما نقرؤه شيئا من الأشياء إلا ما شاء بالجبلة لا يتغير وإلا لكان الإنسان عالما آخر .
وقد روي البخاري{[7439]} عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"ارحم الله فلانا لقد أدركني كذا وكذا آية ،كنت أسقطتهن "ويروى أنسيتهن .
وقال صلى الله عليه وسلم"إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني "رواه الشيخان{[7440]} عن ابن مسعود .
وقيل:الاستثناء مجازي بمعنى القلة المراد بها النفي وذلك أن المخرج في الاستثناء أقل من الباقي ولأن{ ما شاء الله} في العرف يستعمل للمجهول فكأنه قيل إلا أمرا نادرا لا يعلم فإذا دل مثله على القلة عرفا والقلة قد يراد بها النفي في نحو ( قل من يقول كذا مجازا ) أريد بالاستثناء هنا ذلك ،وهذا ما أشار إليه الزمخشري بقوله ( أو قال إلا ما شاء الله ) والغرض نفي النسيان رأسا كما يقول الرجل لصاحبه ( أنت سهمي فيما أملك إلا فيما شاء الله ) ولا يقصد استثناء شيء وهو من استعمال القلة في معنى النفي .
وقال الفراء فيما نقله الرازي إنه تعالى ما شاء أن ينسى محمدا عليه السلام شيئا إلا أن المقصود من ذكر هذا الاستثناء بيان أنه تعالى لو أراد أن يصير ناسيا لقدر عليه كما قال{[7441]}{ ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} ثم إنا نقطع بأنه تعالى ما شاء ذلك ،وبالجملة ففائدة هذا الاستثناء ان الله تعالى يعرفه قدرة ربه حتى يعلم أن عدم النسيان من فضل الله وإحسانه لا من قوته انتهى .
{ إنه يعلم الجهر وما يخفى} أي ما يجهر به عباده وما يخفونه من الأقوال والأفعال وهو تعليل لقوله{ سنقرئك} مبين لحكمته وهو سبق علمه تعالى بحاجة البشر إلى إقرائه الوحي وإخراجهم به من الظلمات إلى النور .
ثم أشار إلى أن هذا المقرأ الموحى به للعمل ليس فيه حرج وعسر بقوله تعالى:{ ونيسرك لليسرى}