/م43
{ قال تزرعون سبع سنين دأبا} أي قال يوسف مبينا للملأ ما يجب عليهم عمله لتلافي ما تدل عليه هذه الرؤيا من الخطر على البلاد والعباد قبل وقوع تأويلها الذي بينه في سياق هذا التدبير العملي ، وهذا ضرب من بلاغة الأسلوب والإيجاز ، لا تجد له ضريبا في غير القرآن ، خاطب أولي الأمر بما لقنه للساقي خطاب الآمر للمأمور الحاضر ، فأوجب عليهم الشروع في زراعة القمح دائبين عليه دأبا مستمرا كما قال تعالى{ وسخر لكم الشمس والقمر دائبين} [ إبراهيم:33] سبع سنين بلا انقطاع .قال الزمخشري [ تزرعون] خبر في معنى الأمر ، كقوله تعالى{ تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون} [ الصف:11] وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إيجاد المأمور به ، فيجعل كأنه يوجد فهو يخبر عنه ، والدليل على كونه في معنى الأمر قوله:
{ فما حصدتم فذروه في سنبلة} أي فكل ما حصدتم منه في كل زرعة فاتركوه ، أي ادخروه في سنبلة بطريقة تحفظه من السوس بعدم سريان الرطوبة إليه ، الحب لغذاء الناس والتبن لغذاء البهائم والدواب:{ إلا قليلا مما تأكلون} في كل سنة من هذه السنين مع مراعاة القصد والاكتفاء بما يسد حاجة الجوع ، فإن الناس يقنعون في سني الخصب والرخاء بالقليل ، فهذه السنين السبع تأويل للبقرات السبع السمان ، والسنبلات السبع الخضر على ظاهرها في كون كل سنبلة تأويلا لزرع سنة .