/م240
ثم ختم الله تعالى هذه الأحكام بقوله{ كذالك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون} أي مضت سنته تعالى بأن يبين لكم آياته في أحكام دينه مثل هذا النحو من البيان ، وهو أن يذكر الحكم وفائدته ويقرنه بذكر الله والموعظة الحسنة التي تعين على العمل به ، ليعدكم بذلك لكمال العقل فتتحروا الاستفادة من كل عمل فعليكم أن تعقلوا ما تخاطبون به لتكونوا على بصيرة من دينكم ، عارفين بانطباق أحكامه على مصالحكم بما فيها من تزكية نفوسكم والتأليف بين قلوبكم ، فتكونوا حقيقين بإقامتها والمحافظة عليها .
قال الأستاذ الإمام ليس معنى العقل أن يجعل المعنى في حاشية من حواشي الدماغ ، غير مستقر في الذهن ولا مؤثر في النفس ، بل معناه أن يتدبر الشيء .ويتأمله حتى تذعن نفسه لما أودع فيه إذعانا يكون له تأثير في العمل ، فمن لم يعقل الكلام بهذا المعنى فهو ميت وإن كان يزعم أنه حيميت من عالم العقلاء ، حي بالحياة الحيوانيةوقد فهمنا هذه الأحكام ولكن ما عقلناها ، ولو عقلناها لما أهملناها .
وأقول:أين هذه الطريقة المثلى في بيان الأحكام من طريق الكتب المعروفة عندنا بكتب الفقه ، وهي غفل في الغالب من بيان فائدة الأحكام وانطباقها على مصالح البشر في كل زمان ومزجها بالوعظ والتذكير ؟ وأين أهل التقليد من هدى القرآن ؟ هو يذكر لنا الأحكام بأسلوب يعدنا للعقل ، ويجعلنا من أهل البصيرة ، وينهانا عن التقليد الأعمى ، وهم يأمروننا بأن نخر على كلامهم وكلام أمثالهم صما وعميانا ، ومن حاول منا الاهتداء بالكتاب العزيز وما بينه من السنة المتبعة أقاموا عليه النكير ، ولعله لا يسلم من التبديع والتكفير ، يزعمون أنهم بهذا يحافظون على الدين وما أضاع الدين إلا هذا ، فإن بقينا على هذه التقاليد لا يبقى على هذا الدين أحد .فإننا نرى الناس يتسللون منه لواذا وإذا رجعنا إلى العقل الذي هدانا الله تعالى إليه في هذه الآية وأمثالها رجي لنا أن نحيي ديننا فيكون دين العقل هو مرجع الأمم أجمعين ، وهذا ما وعدنا الله تعالى به{ ولتعلمن نبأه بعد حين} ( ص:88 ) .